آخر الاخبار

الرئيسيةكتابات د. عمر عبد العزيزدعوة للتفاؤل

د. عمر عبد العزيز
د. عمر عبد العزيز
عدد المشاهدات : 5,752   
دعوة للتفاؤل
شهدت الساحة السياسية اليمنية عديد المحطات التوافقية الحكيمة والتي أفضت في المحصلة إلى الانتقال من حالة التحارب العدمي إلى فضاء التعايش الجبري المنطقي، وها نحن اليوم بصدد المحطة التوافقية الكويتية التي تستدعي ضمناً وأساساً استرجاع المحطات السابقة حتى يتسنى لنا معرفة الكيمياء اليمانية الضابطة لمعنى التنازلات الشجاعة، والتوافقات الحكيمة، فهذا الخيار كان وسيظل خيار الضرورة الموضوعية، وما عداه استمرار استحالي لمنطق الاجتثاث والمصادرة، وهو المنطق الذي قد يسير على قدمين واهنتين، ولكنه لن يستمر في مدى الزمان والمكان، كما يتضح من تواريخ الحروب ومفارقاتها المميتة.


عند محطة الكويت المعبرة عن الإجماع العربي الخليجي، وعن كامل المرجعيات التي ارتضاها الجميع علنا، وفي المقدمة منها المبادرة الخليجية، ونتائج مؤتمر الحوار الوطني الشامل، وما تلاهما من قرار أممي مجير على البند السابع، وهو القرار 2216.


في كل هذه المرجعيات ترجح كفة الميزان الرافض للانقلاب، وتندحر العقلية الميليشياوية المغامرة، وتخبو المكايدات السياسية القاتلة والقادمة من تضاريس النظام القديم الذي أوقع اليمن وأهله في محنة دونها النزيف اليومي للبلاد والعباد.


بتلك المقدمات الراسخة سيذهب المتحاورون إلى الكويت، وفي هذا الحوار ستنتصب الخيارات العاقلة السابقة.. تلك التي حدت بالملكيين والجمهوريين على عهد الرئيس الراحل عبدالله السلال إلى الخروج بالتوافق السياسي العاقل، وإنهاء حرب السنوات السبع، كما تستدعي الذاكرة ثلاث محطات صراعية عسكرية بين نظامي صنعاء وعدن والتي كان للدبلوماسية الكويتية فضل النجاح في المحطة الأولى على عهد الرئيسين عبدالفتاح إسماعيل وعلي عبدالله صالح، وفي الجنوب ارتقى فرقاء أحداث يناير الدموية لعام 1986 إلى مستوى الحكمة.. يوم أن أخذوا بالتسامح والتصالح بدلاً من استرجاع الثارات السياسية العقيمة، وبهذا تمهد الدرب للانتفاضة الجنوبية ضد نظام صالح كمقدمة مؤكدة للانتفاضة الجماهيرية الشاملة ضد النظام في عام 2011م. وأخيرا وليس آخراً كانت التوافقية اليمانية الداخلية بعد عاصفة الربيع العربي مقدمة حاسمة لمرئيات المبادرة الخليجية.


إن استرجاع تلك المحطات المهمة في تاريخ العمل السياسي الرائي لضرورات تخطي الصعاب وبداية عهد جديد كان وسيظل الرهان الكاسب في ظل الحرب والتشظي والموت المجاني، وعلى فرقاء الفعل السياسي الارتقاء لمستوى التحدي الكبير واسترجاع الماضي القريب.. بل واستقراء اليمن التاريخي الذي كان حصناً حصيناً وملجأ مكيناً لفرق الكلام الهاربة من جور البنى السكانية المستبدة، وهو الأمر الذي تتوجت خواتيمها لمنطقية انتشار الشافعية الوسطية اليمانية، والزيدية المعتزلة المجتهدة، وحتى الإباضية الحضرمية التي انتقلت بقوة دفع الحقائق إلى الجوار العماني التاريخي لتشكل مع الزيدية اليمانية وجهي عملة التواشج الحكيم مع فقه السنة الأشعرية الشافعية.


لقاء الكويت محك اختبار للعقول والقلوب، وقد أحسن التحالف العربي صنعاً بدعم الاتجاه السلمي استمراراً لدعم شرعية الدولة اليمنية العابرة للأفراد والأحزاب، وبهذا المعنى تتكامل ثنائية ( الحزم والأمل) ليصار إلى استعادة الدولة اليمنية التائهة، والشروع في إعادة خاصرة العرب التاريخية إلى مرابع مكانها الطبيعي، فاليمن ليس مهداً للعروبة بالمعنى الفولكلوري الكلامي فحسب، ولكنه الضامن الاستراتيجي للمنعة والقوة، وهذا ما ظهر جليا في متوالية عاصفة الحزم، وإعادة الأمل.


هذه دعوة للتفاؤل المقرون بالعمل الدؤوب على درب الاستحقاق الباهظ والقبض على جمرة الواقع المشتعل بالفتن والمصائب، وعلى الواهمين القابعين في أوهام الانتقام والتصفيات الاستنسابية محاصرتهم بالحق والعدل النابعين من حكمة التاريخ والجغرافيا.


على الواهمين استيعاب حقيقتين لا ثالث لهما.. أولها أن اليمن لن يعود للنظام القديم، وسيسير قدما نحو دولة اتحادية عصرية متعددة الأقاليم.. تتحقق في ظلها المواطنة كتعبير عن الهوية والمشاركة، والقانون كمرجع لإدارة شؤون البلاد والعباد، والتنمية الأفقية النابعة من مرونة نظام الإقليمين أو الثلاثة أو الستة.. كيفما اتفق المتحاورون، والحقيقة الثانية أن اليمن القادم لن يغرد خارج السرب العربي اللصيق به مكاناً وتاريخاً وثقافة، وبهذا المعنى يتحقق التغيير الذي يستحقه شعب دفع أثماناً باهظة لإخفاقات نظامه السياسي.


الخليج