آخر الاخبار

الرئيسيةكتابات فيصل عليالفرصة اليمنية

فيصل علي
فيصل علي
عدد المشاهدات : 42,494   
الفرصة اليمنية


"كلما صفت غيمت" ومع ذلك ما زالت الآمال كبيرة بحصول شعبنا على فرصة العيش مثل غيره من الشعوب، الظروف الحالية حالة طارئة وناتجة عن حالة طارئة، نتجت هذه الحالة عن حالة مشابهة في الستينات من القرن الماضي، عندما انحاز شعبنا للتغير وخذلته نخبته الطارئة على السياسة، فلم تستطع إنجاز أهداف الثورة الأم في 1962، لم تكن تلك النخبة التي تصدرت للحكم قد نشأت على السياسة، أضف إلى ذلك الحجم الكارثي للجهل الذي انتجته الرجعية السلالية المتخلفة في أوساط الشعب، ما صَبر الناس ورفع من معنوياتهم هو وجود ثقافة يمانية أصيلة تغلب على سلوك الناس وقادتهم الشعوبيين، فكانت تلك الثقافة هي الحصن المنيع لصد الهجمات الإمامية الحالمة بالعودة لحكم الشعب اليمني الحر، لكن ما عذر نخبتنا الحالية التي أنجز لها شعبنا ثورة وهي نائمة في بحر من التفاوض الدوني مع السلطة، والغارقة في هموم ثانوية لا ترتقى إلى مستوى تطلعات الأمة اليمنية؟

في القرن الماضي جاء سبتمبر العظيم وأتت معه فرص التعليم والذي انتشر بقوة شعب يريد محاصرة الرجعية والتخلف والجهل والقضاء على أية محاولات لعودة الكهنوت السلالي للواجهة، لكن الإمامة المرتبطة بعوامل التخلف الاجتماعي حافظت لها على بؤر بعيدا عن النور وعن العلم، هذه البؤر سرعان ما تحولت إلى قطعان من الهمج الذين هدمت بهم الرجعية الجديدة الدولة في سبتمبر 2014، لماذا تركت تلك البؤر بدون تعليم وتنوير وتأطير؟ هذا سؤال للتاريخ وللحكومات المتعاقبة وللأحزاب والنخب التي ظنت أن الجمهورية نزهة ورفاهية ومجرد مقارنات سطحية بين العيش قبل وبعد ثورة 1962.

بمصالحة السبعينات بين الجمهورية والملكية كتب على الثورة الأم 26 سبتمبر الموت السريري، وتحولت الثورة إلى عيد هلوين وحفلة تنكرية، وكل إمامي رجعي سجل نفسه في كشكول الثورة، وتحولت القضية إلى مزاد من الدجل وتزوير حقائق التاريخ، فكل الإمامة ثارت ضد الإمام، وكل مدعيي الحق الإلهي تحولوا إلى جمهورين طمعا في المغانم وهروبا من العار ومن تحمل التبعات وتحمل مسؤولياتهم التاريخية عن تخلف شعب وإيقاف حضارة عن النهوض، فحدث مالا يحمد عقباه، صار التعليم يسير وحيدا بلا ثقافة وصارت الثقافة سلعة وخرقة بين أفخاذ الرئاسة، وصار المتخلف يمنح المتعلم شهادة تكريم ودرجة ثقافية، بالبلدي صارت عمياء تخضب مجنونة، مثلا كل من منحهم علي صالح جوائز رئيس الجمهورية في الشعر والأدب والقصة والرواية والثقافة عموما ليس لديهم ثقافة محمد الحاج المحلوي ولا ثقافة سعيد حسن الذبحاني "إبليس"، ولا ثقافة باعة الحطب ورعاة الغنم والفلاحين الأولين الذين دفعوا بالمجتمع نحو التعليم وكانوا يتباهون بمنظر الطلاب الذين يمرون من شارع 26 سبتمبر في تعز وشارع علي عبد المغني في صنعاء وهم يحملون المستقبل في حقائبهم، حدثت انتكاسة صارت المدارس تنتج متعلمين منزوعي الدسم والجامعات تنتج متعلمين بلا هوية وبلا ثقافة، وهذا قد يكون واحدا من أهم الأسباب التي أدت إلى ضياع الجمهورية في 21 سبتمبر2014.

من أين نبدأ وكيف نفعل وألف سؤال بلا إجابة؟ لقد بدأنا فعلا من لحظة السقوط المدوي للنخب والدولة الحاضنة لموظفين لا صلة لهم بالدولة، كل المطلوب منهم كان فقط "البتاس" على الكراسي وأخذ مرتبات أخر الشهر وهي "أمطرت أو لا زادت" وكما بدأت ثورة سبتمبر الأم من محور تعز-عدن -وهي امتداد طبيعي لثورة 1948- بدأت المقاومة من نفس المحور تعز-عدن، والمقاومة في تلك اللحظة هي كل ما أبقت لنا السماء واحتفظت به لنا الأرض، وجادت به أرواح سبأ وحمير وحضرموت، بدون تخطيط وبدون تنظيم وبدون وعود وبدون سلاح وبدون قيادة، ما الذي أخرج الصعاليك من أزقة الحارات والفقهاء من المساجد والقرويين من أطراف البلاد ليعلنوها مقاومة؟ إنها روح اليمن وهوية الأمة وغيرة الشعب.

هل قادها ميدانيا المثقفون والنخب؟ بالطبع لا فأغلبهم كانوا بين صامت وهارب ومحايد، حتى تراءت الصفوف وتمايزت وكل من اختار طريقه، "اليمنيون سلوكا" كانوا في المقدمة، فاليمن كما هي دولة وهوية هي أيضا ثقافة سلوكية، "رجاء من لديهم ملاحظات على المقاومة تنحوا جانبا فالوقت ليس لكم الآن، لأنكم ببساطة بلا فاعلية وحتى تستعيدوا فاعليتكم تعالوا نشوف لكم حل".

واليوم يقفز من في قلبه بعضا من مناطقية وجهوية ومذهبية إلى الوسط باحثا عن دور، فيقع في تصنيف الناس، هذا معنا وهذا معهم وهذا لنا وهذا لهم، القضية اليوم هي اليمن وليست أنا ولا أنت ولا هم ولا نحن، كل بلادي وجع جرح في صنعاء وأخر في تعز، وعدن مازالت تنزف، ونزفت عمران وصعدة من قبل، اليمن مثخنة بالجراح فلا تذُروا على جروحها الملح، قضيتنا اليوم ثورة وانقلاب، وليست جهوية ولا قروية ولا مناطقية ولا مذهبية، ليست شمال ولا جنوب ولا شرق ولا غرب، ولذا حتى إن وقعنا أو وقع بعضنا في مأزق منطق العجز فعلينا تذكيره بأن اليمن هي العنوان وأن الدولة اليمنية هي الملاذ الحقيقي لنا جميعا.

دعوكم من بهلوانات الاستعراضات الذين يرقصون اليوم على دماء الضحايا ويتقاسمون الغنائم والمناصب، وليتهم يفعلون ما يمليه عليهم الواجب خاصة وقد آلت السلطة إليهم، لكنهم مازالوا يراوحون مربع الصفر يتحينون الفرص للقضاء على كل منافس محتمل، يحلمون "بدولة الدكان" التي ستؤول إليهم، ليس عندهم فكرة عن دولة الشعب، فهي أكبر من خيالاتهم المرتعدة، يرون أن الدولة شوية حلاوى يا الله تكفيهم وحدهم وعلى رأي العجوز التي خُطبت بنتها وجابوا لها حلاوى توزعها بالمناسبة للجيران فقالت: "هو شوية مضروب ميطي أكلته أني وبنتي ويا الله كفانا من أين عاد نجيب للجيران"، هؤلاء ليسوا سوى عابري سبيل، ولم يفهموا بعد أن دولة الشعب قادمة رغما عن كل الظروف المحيطة، لا يمكن لكل هذه الجهود المتدافعة منذ 2011 إلى اليوم أن تذهب هدرا، لا تغرنكم موجة الضعف الحالية بكل أدواتها المتهالكة وصبايانها المتهافتون، فهؤلاء كخيال المآتة تسلقوا في الحاضر ولا يستطيعون تمثيله ولا يمثلون المستقبل ولن يحكموا.

إذا أردتم النظر إلى نهاية البهلوانات بكل أطيافهم ودوافعهم النفعية البعيدة عن البرجماتية السياسية فلسفة ومعنى، انظروا إلى تحالفاتهم وبيد من يضعون أيديهم! لا أحد عاقل يتحالف مع هالك أوشك على الوقوع، وكل سكاكين العالم تنتظر تقطيع الكعكة، التحالف كمصطلح سياسي له لا يكون مع من انتهت صلاحيته وأفل نجمه مهما كانت قوته الظاهرة، على كل لا أسف على البهلوانات، ونحن هنا لا نحذر بل نبشر باليمن القادم من تحت الرماد، الدولة التي لا تصنع من قلوب الناس لا تستحق البقاء، ودولتنا قادمة من وجدان شعبنا.

من أنتم يتساءل أحدهم؟ نحن اليمنيون الجدد الذين لا تريدون رؤيتهم، ممن لويتم عنق ثورتهم بمهازلكم السياسية التي أوصلت الدولة على طبق من ذهب إلى أعدائها. تقولون كلاما مبهما ولكم تحليلات متناقضة أحيانا وغير مفهومة، بحسب أحدهم، ونرد ببساطة ما أخطأنا فمن أنفسنا ومن وحي اللحظة الموجعة، ولشعبنا العتب ومنه المعذرة، نحن نكتب ونتحدث وفقا للمعطيات وليست كلها صحيحة، ولذا نخطئ ونصيب، ما نحن واثقون منه أن دولتنا قادمة وأننا سنصل مع شعبنا إلى ما يريد. الفرصة اليمنية قادمة فكلما كبرت المشكلات كان الخروج أسرع لمن يعد نفسه وهو ينظر إلى كل هذا الهراء باشمئزاز، فكل الخصوم ينهون أنفسهم بأنفسهم موفرين الفرصة لمن يستحقها.