الموكب السبتمبري
يحيى الثلايا
يحيى الثلايا

حرصت فلول الإمامة أن تكون عودتها إلى صنعاء في شهر سبتمبر ذاته الذي خرجت فيه صنعاء من دياجير الظلام والعهود السحيقة إلى آفاق الدولة الوطنية والعصر الحديث.

نعم.. فعلت الإمامة ذلك عن قصد وتخطيط في عام 2014، بل لو كان بيدها كل شيء لاختارت يوم 26 سبتمبر ذاته موعدا لإعلان انتصارها على اليمنيين واجتياح عاصمتهم التي شهدت في مثل تلك البهية قبل 52 عاما إشراقة الشمس قبل أوانها وإطلالة أنوار الحرية بعد ظلام قرون.

أرادت السلالة بذلك اغتيال رمزية ثورة سبتمبر المجيدة، وإخماد ما تبقى من جذوتها المشتعلة في صدور الناس، لكن الذي حصل هو ما كانت تخشاه وترتعب منه ولا تزال وستظل.

عودة فلول "البدر" استفز في نفس كل يمني أشواقه الدفينة وذكرياته القديمة تجاه أعظم وأقدس ثورة في التاريخ البشري.

حتى أولئك الذين تناسوا يوم ميلاد اليمن المعاصر وفجر جمهوريته الخالدة ممن خانوا أو تهاونوا أو شغلتهم ظروف الحياة، اشتعلت في أرواحهم شعلة سبتمبر مجددا وتوهجت بذلك البهاء والدفء والعزم الذي أضاء ليل صنعاء حين انطلق من فوهة دبابة مارد الثورة مع أول قذيفة أطلقها الملازمان "الشراعي" و"صبرة" فجر خميس السادس والعشرين من سبتمبر المجيد عام 1962.

إن كان اختياركم شهر سبتمبر موعدا لاجتياح صنعاء فإنكم بذلك فقط قررتم الاحتراق مجددا بلهب قذائف مارد الثورة، والاختناق شنقا مرة أخرى بضفائر حريم بيت حميد الدين، التي قصصتموها من رؤوس أمهاتكم وجداتكم كوسائل استعطاف تعيدكم إلى الحكم.

هو احتراق واختناق سيقتلكم يا فلول السلالة، وإن كنتم لا ترونه حول أعناقكم وفي جلودكم فكل يمني يراه واضحا كوضوح شمس 26 سبتمبر 1962م.

هي مسألة وقت حتى يكتمل المشهد اليماني ويستعيد مكانه ومكانته الموكب السبتمبري، فتدركون ماذا صنعتم، وتدركون أيضا مدى تقديس ووفاء أجيال شعبنا ليومهم الأغر ولحظتهم الخالدة.

أنتم تعلمون جيدا ماذا يريد الناس ويقصدون بالحديث المبتهج عن يوم وشهر ثورتهم الخالدة، بل تشعرون بحرارته في ظهوركم كسوط جلاد لا يرحم، ومع ذلك تلوذون بصمت الجبان، رغم أنكم بلغتم ذروة وامتلكتم على حين غفلة من التاريخ قوة قهر لا يمكن أن تتكرر ويستحيل قطعا أن تدوم.

سبتمبرنا المجيد هو اليوم في جولة الإياب والعودة الظافرة بإذن الله، وجريمتكم الغادرة بدأت في الانحسار والتلاشي ولكل أجل كتاب.

وحتى يحين يوم الخلاص، نتمتم بما تمتم به الشهيد العظيم أبو الأحرار محمد محمود الزبيري، حين كان يشهد ظروفا مشابهة لوضعنا الراهن ويرمق معها لحظة الفجر الموعود التي كانت:

الشعبُ أعظمُ بطشاً يومَ صحوتهِ

من قاتليه، وأدهى من دواهيهِ

يغفو لكي تخدعَ الطغيانَ غفوتُهُ

وكي يُجَنَّ جنوناً من مخازيهِ

وكي يسيرَ حثيثاً صوبَ مصرعهِ

وكي يخر وشيكاً في مهاويهِ

علتْ بروحي همومُ الشعبِ وارتفعتْ

بها إلى فوق ما قد كنتُ أبغيهِ.


في الأحد 03 سبتمبر-أيلول 2023 09:25:08 م

تجد هذا المقال في سهيل نت
https://suhail.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://suhail.net/articles.php?id=1093