آخر الاخبار

الرئيسيةكتابات جمال أنعمعيد قتيل

جمال أنعم
جمال أنعم
عدد المشاهدات : 1,129   
عيد قتيل

عندما يغدو القتل من البداهات اليومية، اعتياداً مألوفاً لديك، فأنت القاتل المعتاد، والقتيل المألوف، أنت إذن الحشرة المنكرة، السهلة الدهس.

حين تتكيف مع الظلم، وتتعايش مع الظَّلمَة دون مواجهةٍ ولا إنكارٍ، حين تقنع بالعيش مسخاً راضخاً في عتمة الخوف، أعمى، أصماً، أبكماً، مطفأ الشعور، ميت الإحساس، مذعوراً، من ظلك ونفسك، راضياً بكونك طريدة قهرٍ، قاتلاً روح الإنسان في أعماقك، وخانقاً في قلبك كل ارتعاشة كبرياء، فأنت إذاً عبد جبنك، وضحية خوفك، وعدو نفسك، أنت إذاً الجاني والضحية، القاهر والمقهور.

عندما تأوي خالياً على بحر من الفوضى والصراخ المتلاطم، وحين تنام طافياً على بركة دم، وأنهار من دمع، على طمأنينة متوهمَةٍ، فلا يغمرك شعورٌ بالمسئولية، ولا يشردك همٌ لصيق، ولا تبتل روحك أو تعرو قلبك هزة تأثرٍ، أو يغشاك اهتمام واغتمام، ولا يدهمك قلقٌ إنسان نبيلٍ لا تسعه نفسه، وليس بمقدوره العيش منعزلاً عن واقعه، كحيوانٍ برِّيٍ.

عندما لا تكون حيث أرادك الله، وحيث ترى ذاتك السامية النبيلة، فأنت إذاً عدمٌ منسيٌ في ذاكرة الإنسان، والزمان، والمكان، وجودٌ باهتٌ قابلٌ للشطب والإلغاء باستمرار.

في كل مساء، ألف بئرٍ تنفتح في القلب، تلتئمُ ذاكرة النهار المثقوبة، قيامةٌ من الأسى تقوم، ينهض الأموات المخذولون، الأحياء المنسيون، الضائعون المضيعون، المسحوقون المدفوعون للعراء والمتدافعون على الفتات، العزّل، المشردون، البراءة المتسولة، ضحايا القهر، والقمع.

أحزانٌ تتدفق من كل صوبٍ، آلافُ الصرخاتِ المكبوتةِ تزوبعُ في الأعماق، عشراتُ الصور الدامية حيةً العتب، تجري لهباً في العروق.

عيد قتيل دامع حزين يا صنعاء، بطعم الموت والهوان، وبصورة هذه البشاعة القاتلة.

- في وضح النهار يخرج القتلة في مهمات قتل اعتيادية سهلة، يمتطون ذهولنا العام وغفلتنا الكثيفة، يردون أهدافهم بسهولة وببساطة متناهية، في كل الأمكنة، بذات الوسيلة والأسلوب وبنمطية تعبر عن عدم اكتراث أو قلق.

كل صباح قتيل، كل مساء عويل، كل يوم وحشة صارخة، أسئلة مختنقة بطعم الموت، غمغمة مبهمة، حيرة باردة، عجز مرير وخذلان قاتل.

الضحايا باطراد، والقائمة تتسع والفجيعة تطول وتمتد والقتلة يتكاثرون ويزدادون صلفا ومجاهرة واستعدادا لاقتراف كل الكبائر والآثام محميين بقوة السلاح والفوضى المتسيدة.

يتولانا السفاحون، يحدد مصائرنا المجرمون، تصير حياتنا لعبة بيد تجار الجريمة نسقط في النسيان، يغدو الموت هو الثابت الوحيد في وجودنا الهش المهترئ المكشوف.

المجتمعات التي لا تدافع عن وجودها وحياتها وأمنها واستقرارها منذورة للزوال.