آخر الاخبار

الرئيسيةكتابات جمال أنعمغزة الاستثناء المقلق

جمال أنعم
جمال أنعم
عدد المشاهدات : 1,157   
غزة الاستثناء المقلق
 

لم نعد نجرؤ على فعل شيء، حتى البكاء بحرية والحزن النبيل، تقصفنا المخاوف ويحاصرنا العجز، وتملي علينا المذلات ما نقول ونفعل، تحدد الكلمة، والنبرة والآهة، والدمعة، والمسموح به من الوجع والتفجع، وبحسب طبيعة العلاقة وموجباتها.

من المهم إبقاء الأفكار والعواطف تحت السيطرة وإدارتها بعناية، وبما يضمن عدم إفساد الارتباط.

يرى الماغوط "الحرية فقدان الخوف"، وأراها كذلك القدرة على مطلق التعاطف والتضامن، حرية الضمير، والتعبير بلا قيد، وامتلاك الحق في رفض أي انتهاكات واعتداءات وممارسات لا إنسانية صراحة وبدون مواربة ولا غمغمة، وقلق من إزعاج هذا أو إحناق ذاك.

نحن فقدنا الحرية وكسبنا الخوف، والعار.

كان الوطن يحضر "الزبيري" يقظة ملازمة، يلوح له مستفزا وناهيا إياه عن البسمة الشاردة والضحكة العابرة المنفلتة من قبضة الحزن.

اليوم من يلوح لنا كلما استدعينا الوطن بحق؟ من يحضرنا متجهما متوعدا كلما بكينا بلادنا بحرقة ونشدناها بصدق القول والفعل؟

من يلوح كلما ذكرنا غزة وفلسطين؟ من يقفز بين الدمعة والأنة مطالعا إيانا بارتياب؟

مزق نحن بين العوالم مكبلون بتعاقدات مقعدة تفرض الدفاع عن دافعيك إلى الجحيم.

من يطالعنا شزرا كلما هممنا بالبكاء علينا فوق هذه المقبرة الممتدة من الهباء إلى الهباء؟

ثمة صف من الكوابيس والرهابات، قائمة من المفزعات المتشابكة، تقف بيننا وبين الشرف والفضيلة.

مطوقون نحن حتى الأعماق, نتملق الخوف خوفا من مخيفات كثار، نسكن في رعب دائم، قلقين من فقدان أشياء كثر، الحرية ليست من بينها.

وضمن المحيط المدمر ما زالت غزة هي الاستثناء المقلق مالكة القرار والخيار في العيش وفق موجبات القضية ومقتضيات الصراع.

ما زالت غزة جدارنا الأخير، بنت العنفوان، فاضحة الزيف والجبن والخيانات الحاكمة.

ماذا عسى يفعل المدمرون مقصوفو الكرامة والكبرياء؟ ماذا غير الإيغال في قتل الذات وتدمير ما تبقى من ضمائرهم الخربة؟