كان طبيعيا أن تهزنا من الأعماق جريمتا التفجير الإرهابي في مسجدي بدر والحشوش، وتزداد الآلام ونحن نشاهد صور الضحايا الأبرياء المقتولين والممزقين أشلاء من الأطفال والرجال الذين ساقهم قدرهم للصلاة في أحد المسجدين المنكوبين لا لأنهم حوثيون أو أنصار للنظام السابق ولكن لأنهم يمنيون يصلون في أي مسجد ولو كان الإمام لا يعجبهم.. ففي العادة يختار كثيرون من اليمنيين أداء صلاة الجمعة في مسجد ما على أساس حيثيات ليس منها بالضرورة البعد المذهبي للإمام والمسجد؛ فبعضهم يصلي في المسجد الفلاني لأنه قريب من منزله أو لأنه مدعو لغذاء في الحارة فيتحمل وهو ساكت – أو ينام في بعض الاحيان- ما لا يعجبه من كلام أو مشاهد ثم يخرج وينتهي الأمر.. وكثيرون يكون سبب اختيارهم هو قرب المسجد من سوق القات!
كان هذا هو حال المصلين الذين صلوا الجمعة في المسجدين المنكوبين؛ لكن الجهة المدبرة – إن كانت أجنبية- أرادت تكرار مخططات إثارة الطائفية في العراق حرفيا في اليمن؛ ظنا منهم أن وضع المساجد طائفيا عندنا كما هو الحال في بلاد الرفدين وإيران وأمثالهما!
وإن كانت تلك الجهة المدبرة يمنية فقد عرفت أن تجيير الجريمة لحسابات سياسية وطائفية سيكون أسرع من صوت التفجير نفسه، وستختفي حقائق مطلوب معرفتها عن جرائم كثيرة في وسط الدخان الحقيقي والطائفي.. وفي الحالتين فقد تحقق الغرض إلى حد ما للأسف الشديد!
سوف نتحدث خلال الأسابيع القادمة ؛إن شاء الله؛ عن كيف تم استزراع الحرب الطائفية في العراق، ومن أشهر الطائفيين الذين روجوا لذلك.. والمفاجأة أنه ليس مسلما ولا عربيا!
أسود.. مفارش!
يكفي اليوم أن نتساءل عن فائدة اللجان الشعبية الحوثية والآلاف الذين تم تجنيدهم بزعم حفظ الأمن ومواجه الإرهاب القاعدي؟ وعن فوائد سيطرة أنصار الحوثيين على شؤون الأمن وأقسام الشرطة في العاصمة في الوقت الذي أنهار فيه الأمن، وتتالت الجرائم والتفجيرات الإرهابية، وانتشر الرعب والفزع.. مما يؤكد أن الحوثيين لا قدرة لهم على حفظ الأمن ولا خبرة لهم في مواجهة من يسمونهم بالدواعش والقاعدة.. وهم كالذين من قبلهم: مهمومين بتعقب المعارضين العزل، وملاحقة المتظاهرين السلميين، واقتحام منازل المواطنين الآمنين واعتقالهم وفقاً لتقارير المخبرين الأغبياء ووشايات الموتورين!
وكما سكنوا في مقرات الذين ظلموا؛ فها هم صاروا يلجأون للأساليب نفسها التي مارستها الأنظمة القمعية عندما تعلن بعد كل جريمة إرهابية عن إلقاء القبض عن المنفذين، وأنها بسبيل إحالتهم للقضاء بعد أن اعترفوا بالجرائم التي ارتكبوها.. ثم تضيع تلك الإعلانات في فضاء النسيان والكذب على الناس! هناك قائمة مهمة في هذا الشأن تبدأ من الإعلان عن إلقاء القبض عن منفذي جريمة تفجيرات كلية الشرطة وهم يستخرجون جوازات سفر في مصلحة الأحوال المدنية المكتظة برجال الأمن!
ومن يومها لم نسمع شيئا عنهم، ولم نفهم هل تم التحقيق معهم أو أحيلوا للقضاء.. بل لم نر صورة واحد منهم لا في التلفاز ولا في جريدة!
في جريمتي اغتيال د.أحمد شرف الدين ود.جدبان قيل إن الحوثيين قالوا إنهم يعرفون الغريم فتوقفت التحقيقات، وحتى الآن لا خبر عن الجناة ولو من باب التوثيق التاريخي!
وفي جريمة اغتيال د. محمد المتوكل أتذكر أنهم قالوا إنهم ألقوا القبض على متهم.. ثم ضاعت الحقيقة!
وعندما ألقي القبض على الشيخ سام الأحمر نسبوا إليه اعترافات مذهلة عن ارتكابه عدد من أخطر الجرائم السياسية؛ من بينها تفجير ميدان التحرير البشع؛ ثم أطلقوا سراحه وسمحوا له بالسفر! ومثله عملوا مع خلية القاعدة التي قالوا إنهم اكتشفوها في مقر طلاب الإصلاح وقبضوا بسببها على أربعة من قادة الإصلاح الشباب ثم أفرجوا عنهم وكأن شيئاً لم يكن!
وحتى تكتمل صورة النظام العربي القمعي الهزلية.. فها هم في أمن العاصمة يعلنون يوم اغتيال عبد الكريم الخيواني عن اعتقال زعيم إحدى خلايا تنفيذ جرائم الاغتيالات والتفجيرات في العاصمة.. وعن تفكيك سبع عبوات ناسفة والعثور على ستة أكياس معبأة بمواد متفجرة (يعني اكتشفوها كلها ولا واحدة انفجرت!)..
وأن رجال الأمن يقومون في نفس الوقت بتعقب الجناة (يعني أنهم عرفوا شخصياتهم وإلا كيف يتعقبونهم؟) لضبطهم وإحالتهم إلى الإجراءات القانونية (لاحظوا الصياغة الضعيفة.. لا أحد يقول: إحالتهم إلى الإجراءات القانونية.. هذا تعبير واحد صبي مخزن لا يفهم شيئاً في أعمال الجهات الأمنية!).
الآن.. ألا يحق أن نسأل أولياء دماء شرف الدين وجدبان والمتوكل وضحايا ميدان التحرير عن موقفهم من كل هذا الغموض بشأن قتل أقاربهم؟ هل يرضون بما حدث أم أنهم صاروا مجرد.. خشب مسندة؟
الطريق إلى.. الطائفية!
فشل أجهزة الأمن والقوات الخاصة تحت إدارة الحوثيين في مواجهة ما يسمونه الإرهاب والداوعش والقاعدة في العاصمة والبيضاء وإب ومأرب؛ ومن قبلها دماج وعمران؛ لم تصرفهم عن الإصرار على تكرار الفشل في مناطق أخرى؛ وها هم يقدمون المبررات نفسها بين يدي غزوهم تعز والمحافظات الجنوبية، وإعلان التعبئة العامة.. ولا يبدو عليهم أنهم يهتمون لشيء أو لخطر يحيق بالبلاد والعباد!
للإنصاف ولكيلا نبخس الناس نجاحاتهم.. الشيء الوحيد الذي نجح فيه الحوثيون – دون نكران نجاحهم المضطرد في زيادة عدد الموتى والمعاقين والأرامل واليتامى، وتوسيع مساحات المقابر- في حربهم المزعومة ضد الإرهاب هو أنهم:
- أثاروا المشاعر المناطقية صراحة وزادوا في تعميقها من خلال إصرارهم على وصف من يخالفهم أنهم: دواعش إرهابيون قاعديون.. ومن خلال إصرارهم على دفع عناصرهم (ذات اللون المناطقي الواحد المشحون بخطاب طائفي!) إلى ميدان المواجهة مع أبناء المحافظات المخالفة لهم التي ما يزال تراثها الشعبي يحمل مظالم القرون السابقة لحكم الأئمة الذي اعتمد أجندة مشابهة عن خيانات أهالي تلك المناطق وولائهم للأتراك وعمالتهم للإنجليز.. واليوم سنسمع اتهامات مماثلة عن عمالتهم للسعودية وقطر وتركيا أيضاً!
- أججوا المشاعر الجهوية لدى أبناء المحافظات الجنوبية (بعد أن كانت قد هدأت كثيرا نتيجة فكرة الٌاقاليم الستة) وهم يرون الحوثيين كيف يتعاملون بحقد وكراهية واحتقار مع مسؤولين من أبناء المحافظات الجنوبية رفضوا الانصياع لهم، ويوجهون لهم الإهانات ذات النفس المناطقي المذهبي المشهور عن تاريخهم القديم في التعامل مع مخالفيهم مذهبيا! وكيف يرفضون فكرة الأقاليم الستة والفيدرالية ويتهمونا بأنها خيانة ومؤامرة وهي التي وجدت ترحيبا كبيرا في جنوب الوطن، وكانت مخرجاً مناسباً بعيداً عن فكرة الانفصال ويحفظ لليمن وحدتها!
والأكثر سوءاً أنهم وجدوهم يتحالفون عسكرياً وسياسياً وإعلامياً مع الرئيس السابق علي عبدالله صالح وحزبه؛ والوحدات العسكرية التابعة لهم والقادة العسكريين الموالين له ذوي السمعة السيئة؛ ويتعاملون معهم باحترام وتقدير، ويؤمنونهم من أي ضرر متناسين كل ما كانوا يقولون عنه عن مسؤوليته عن حروب صعدة وقتل حسين الحوثي.. ولاحظوا فقط مقدار التحريض والكراهية الذي يكنونه للقائد العسكري ثابت مثنى جواس وكأنه هو صاحب قرار الحروب الستة في صعدة.. وكأنه وحده من شارك في الحرب!
- فجروا المشاعر المذهبية الطائفية من خلال خطاب إعلامي وسياسي مشحون مذهبياً بأثقال الماضي، ومن خلال مجموعة من السياسيين والإعلاميين مشحونين بأحقاد مذهبية مستمدة من تاريخ الخلافات المذهبية في التاريخ الإسلامي بين السنة والشيعة، والعلويين وبني أمية.. وعلي ومعاوية.. ويزيد والحسين! فهم يمثلون آل البيت النبوي وأولياء العترة الذين سلب حقهم في الخلافة على أيدي كبار الصحابة.. وغيرهم من المخالفين يمثلون الأمويين وباقي الملوك والسلاطين!
- فجروا الأحقاد القبلية والعائلية والفردية في كل مكان حلوا فيه من خلال ممارساتهم القمعية اللامسؤولة العشوائية التي طالت الأبرياء!
فهل بعد كل ذلك تستغربون أن يتمترس الناس وراء شعارات طائفية ومناطقية وقبلية في مواجهة الانقلاب؟
النتيجة.. الحتمية!
في الخلاصة.. سقوط صنعاء في قبضة الحوثيين وحلفائهم وفر أفضل الشروط لنمو الأعمال الإرهابية وجرائم الاغتيالات السياسية والطائفية، وتصفية الحسابات القذرة بين الأعداء، وظهور داعش وأمثالها من تنظيمات العنف.. ولن يكون غريباً أن تنشط القاعدة والدواعش في كل مكان يحل فيه الحوثيون لأن وجودهم سبب أساسي للانفلات الأمني والفوضى، وإثارة العداوات والأحقاد والثأرات!
وكما انضم عشرات الآلاف من العراقيين والسوريين لتنظيمات العنف كرها في الممارسات الطائفية القذرة لحكم المالكي الشيعي والأسد النصيري المواليين لإيران، ولحقارات ممارسات المليشيات الطائفية المشابهة.. فكذلك لن يكون غريباً أن يتكرر الشيء نفسه في اليمن!
لن يكون ذلك غريباً.. فقط لا تقرفونا بأسئلة على الطريقة الأمريكية الاستكبارية:
لماذا يكرهوننا؟ لماذا لا يقبلوننا؟ لماذا يحاربوننا؟ لماذا يرفعون شعارات طائفية ومذهبية؟
فمن يزرع شراً وطائفية لا يحصد إلا الشر والطائفية!