الرئيسيةكتابات نبيل البكيريمقياس الانتصار

في المعارك المصيرية لا تقاس حجم الانتصارات والهزائم فيها بعدد القتلى والجرحى والأعيان المدمرة من الممتلكات والأشياء، وإنما مقياس الانتصار في هذا المعاركة المصيرية هو مدى ثبات قيم التضحية والفدى والاستشهاد، وتجذر فكرة المقاومة والصمود والتحدي بتجاوز حالة الضعف والخور والخيانة والاستسلام حتى النهاية.
وهذا مسار التاريخ دائماً، في مثل هذه المعارك فقد خرجت فرنسا من الجزائر مطرودة ذليلة، رغم أنها تركت ورائها مليون شهيد جزائري، بعد 138 عاماً، وكذلك خرج الألمان من فرنسا أيضاً وروسيا، مخلفين ملايين القتلى، لكن المعركة الأخيرة لن يكسبها سوى صاحب الحق والأرض، طال الزمان أم قصر.
وخرجت أمريكا من فيتنام، وبعدها من أفغانستان، بعد ما قتلت من الشعب الأفغاني مئات الألاف، صحيح كسبت معارك كثيرة، لكنها خسرت الحرب في مداها الاستراتيجي النهائي، وهذا ما يجري اليوم في غزة، قد يكسب العدو الإسرائيلي جولات المعارك، لكنه حتماً خسر الحرب كلها، وكسب أهل الأرض الصامدون على مدى سبعون عاما.
وأخيراً، وليس آخراً، خرجت إيران وروسيا ومليشياتهم يجرون أذيال الهزيمة من سوريا بعد أن عاثوا فيها فساداً، قتلا وتشريداً بالملايين، وكسبوا جولات المعارك، لكنهم كانوا يخسرون الحرب ببعدها الأخلاقي والاستراتيجي، فصاحب الحق أبقى ما دام متمسكاً بعدالة قضيته، معلياً لقيم التضحية والفدى حتى النهاية.