آخر الاخبار

الرئيسيةكتابات مارب الوردحياة الأحزان

مارب الورد
مارب الورد
عدد المشاهدات : 5,545   
حياة الأحزان



تحولت حياتنا إلى عزاء مفتوح، كل يوم نفتقد عزيز أو صديق، نشيع شهيد أو نبكي مختطف جديد، نفارق أحبة اعتدنا الجلوس معهم ورؤيتهم هاجروا للخارج أو غابوا عن الأنظار حتى لا تراهم أعين المخبرين ولصوص المال الجدد.
انظر يا صديقي صورة من في بروفايل صفحتك بالفيس فلن تجد إلا شهيدا أو مختطفا أو مصابا ومن لا يفعل مثلك تجده يعوض ذلك بالمشاركة العامة في مخيم العزاء اليومي بالفيس والذي لا يخلو من زواره من كل مكان دون دعوة أو ترتيب مسبق بعدما جمعهم الحزن الوطني المشترك.
كم أشخاص تعرفنا عليهم بعد موتهم وكم مبدعين أذهلتنا سيرهم الذاتية الحافلة بالعطاء العلمي والعملي بعدما أصبحوا صورة في عداد المختطفين وكم عرفنا مواقف مناضلين بعد مصادرة حرياتهم؟ لم تكن حياتنا الواقعية والافتراضية بهذا القتامة والسواد إلا منذ نكبتنا في 21 سبتمبر 2014 وقبل هذا لم نكن نعرف الحزن كما نعيشه اليوم.
كانت صورنا هي من تملأ صفحاتنا وتفاصيل حياتنا هي يوميات نقاشنا وكتاباتنا وتبادلنا الصور من أعراس إلى مناسبات مواليد إلى زيارات أماكن ومدن إلى السخرية السياسية.
بعد هذا التاريخ الأسود أصبحنا أسرى الأحزان والهم الذي يشيب بالرأس ويجلب القلق النفسي من جور ما حل بنا، هذا ليس تشاؤما ولا تعبيرا عن قناعاتنا التي هي مختلفة لا تعرف إلا الأمل مهما كان، لكن هذا واقعنا المفروض علينا والذي نقاوم لتغييره.
تحولت صفحاتنا إلى معارض صور للشهداء الذين يتزايدون ولا يتوقف عداد الضحايا عن إحصائهم، نشارك بالتشييع والدفن بالترحم عليهم وقراءة الفاتحة ونشر صورهم.
تحولنا إلى مسعفين ندعو للتبرع بالدم لمحتاج أو مستشفى زاد عدد مصابيه أو مرضاه، بل إلى أطباء نناشد توفير هذه الأدوية هنا أو هناك.
التفاعل مع الشأن الوطني والإحساس به عمل مشكور ومحمود ولا خلاف حول ذلك وما اتحدث عنه هو كيف أصبحت حياتنا لا تعرف إلا الأحزان والبكاء والتفكير بمغادرة البلاد بعدما أصبح البقاء فيها لا يطاق.
متى أخر مرة شاهدت ألبوم صور لعريس كما كنت ترى ذلك من قبل بالفيس وكم مرة قرأت خبرا يفرح القلب ويعزز الأمل؟ هل تتذكر عندما كان أحدهم ينزل صوره متفاخرا بعد زيارته لشلال مائي أو صور الفريق الفائز بمباراة اليوم في دوري رياضي بمنطقة معينة؟ هل تستطيع الآن تحديد عودتك للدراسة أو موعد زواجك؟ نحن في الشهر السابع من الحرب ولا تزال مستمرة ولا نعرف متى تنتهي، أي لا نعرف متى يعود السلام؟ أصبحنا غرباء داخل بلادنا وهذا شعور مؤلم ومخيف، ماذا يمكن أن يفعل المرء حيال شعور كهذا إلا بالتفكير بالسفر مهما كان الاغتراب الخارجي قاسيا وصعبا؟
الحياة فصول من أسئلة لا تنته وبلا إجابات، تسأل متى اسافر إلى القرية وهل الطريق آمن من الاختطاف وكيف سأتدبر تكاليف المواصلات التي ارتفعت بشكل غير مسبوق، تتصل بصديق لتخبره عن حاجتك للعمل كونك عاطلا.
كم حزنت لفراق شخص تزوج ولم تستطع حضور زفافه لموانع الطريق أو قلة ما باليد، وكم تأسفت لخذلان محتاج تود مساعداته ومنعك تشابه حاله بعدما كنت أفضل منه قبل كارثة الجائحة المنتفشة.
يتبادل مزوجون كثر الشكوى من عدم قدرتهم على السفر للقرية رغم قربها من المدينة خشية تعرضهم للاختطاف بنقاط قطاع الطرق.
في زمن المليشيا ابتعد الأب عن أبنائه والزوج عن زوجته وعجز الشخص عن رؤية أقاربه، وبات الكل يشكو الفراق والحنين والشوق.
يحاول البعض الهروب من الوجع اليومي ورؤية صور القتلى والجرحى والمختطفين المعذبين بالتوقف عن الكتابة في الشأن السياسي والانشغال بعالمه الخاص ونشر أبيات الحب والغزل.
لقد تعبنا من هذا الواقع وجحيمه الخانق، نريد أن نعود إلى حياتنا الطبيعية التي لا تكدر صفوها صور الأموات وأخبار القتل والتدمير والانفجارات ونتفرغ لمستقبلنا وشؤوننا الخاصة، وهذا لا يعني أننا لا نريد المشاركة ببناء وطننا ونهضته ورفعة شعبه، كيف لا واستقراره وأمنه هو لصالحنا جميعا؟
أثق أن هذا واقع زائل لا مقام له بيننا، سينتهي لا محالة مهما كان ثمن تغييره باهظا، ستعود الحياة وشعاراتها وأغانيها وقصصها الجميلة ولن يكون المستقبل إلا للمتفائلين والمبتسمين رغم الألم.