آخر الاخبار

الرئيسيةكتابات دكتور/د. عامر أبو الخيرإنّ خير من استأجرت القويّ الأمين !؟

دكتور/د. عامر أبو الخير
دكتور/د. عامر أبو الخير
عدد المشاهدات : 5,525   
إنّ خير من استأجرت القويّ الأمين !؟


كثر الحديث وتشعب حول أسرار نجاح حزب العدالة والتنمية في تجاوز (كبوة) انتخابات حزيران/ يونيو 2015، والفوز في انتخابات 1 تشرين الثاني/ نوفمبر 2015، فمنهم من أرجع هذا الفوز الساحر إلى ضعف المعارضة، والآخر إلى تجاوز الحزب أخطاء تنظيمية، أو هفوات تكتيكية وقع فيها في الانتخابات السابقة، وكأنّ الأمر مثلبة، بينما هي في الحقيقة مفخرة، إذ أنّ محاولة الحزب المراجعة والتراجع عن الأخطاء فيها الكثير من القوّة والأمانة، والفضيلة.

والبعض الآخر ردّه إلى دهاء الطيب أردوغان الخفيّ، الذي أظهر ابتعادا عن شؤون الحزب، ودعايته، بينما "هو يمسك بكل خيوط اللعبة".

لكن أقوى هذه الحجج لفتًا للأنظار هو ما تقيأ به أحد (الفلول) المحلّيين من أنّ سبب فوز العدالة والتنمية "يعود إلى الخوف والرعب الذي نشره الطيب أردوغان بين فئات الشعب"، حيث أنه: "خوّف هؤلاء على أمنهم ومصلحتهم وبلدهم ككل"، و"هم في الأصل جهلة".

والحقّ أنّه لو أن هذه الفئات فعلت ما فعلت من أجل هذا الخوف على الأمن والمصلحة والبلاد فهؤلاء في قمة الذكاء والدهاء وليسوا أغبياء ــ كما هو حال واصفهم ــ بل هم في قمة الوطنية أيضًا.

فعلًا إنها مفاهيم مقلوبة في عالم منقلب على القيم والمبادئ والأخلاق.

هل من صوّت من أجل استتباب الأمن وخوفًا على بلده ومصالحها مخطئ جاهل!؟.

أم من صوّت وهو (نظيف) الدماغ من كل القيم والمبادئ، وأدنى درجات الأخلاق الحميدة، تجرفه نظرة حزبية ضيّقة، أو تحرفه رواسب حقد قديم له ألوانه وأصنافه.

والحقيقة أن تصدر هذه (البروباغاندا) من خصوم العدالة والتنمية المحلّيين في خضمِّ المنافسة الحزبية على الانتخاب فهذا لعمرك يكاد يهضم، أما أن يبادر أناس بعيدون عن الساحة، و(الهمّ) الديمقراطي، وهم في الأصل (مخصيّون) ديمقراطيًا، أن يبادر هؤلاء للتشكيك والتحريف والتجريف فان ذلك ما لا يهضم حقًا، وقد غمز البعض من هذا الصنف (المصدّر) أو (المستورد) لينال من الرئيس أردوغان شخصيًا حين قال إن من أسباب فوز العدالة والتنمية مؤخرًا "غياب أردوغان عن الحملة الانتخابية للحزب..."، ونسي هؤلاء أو تناسوا ــ ليريحوا ضمائرهم المكلومة ربّما ــ أن أردوغان في نظر الكثيرين هو زعيم للحزب، دون التقليل من شأن السيد أحمد داود أوغلو رئيس الحكومة وفريقه، نعم إنه عمل الفريق، وليس عمل الزعيم (الملهم) (الفذ) (الضرورة) لوحده، أو بوحي من (مدير عملياته) كما في دول المنطقة (الجمهولكية) الذي يزيّن له سوء عمله.

كما نسي أو تناسى هؤلاء أن أردوغان هو فوق هذا رمز للسلام مع مواطنيه من الإخوة الأكراد، ورمز للقائد الذي لا يتنازل عن كرامته وكرامة أمّته كما حدث في مؤتمر دافوس 2009 عندما غادر المؤتمر غاضبًا لمقاطعته، ولعدم إفساح المجال له للرد على الصهيوني (بيريز) انتصارا للشعب الفلسطيني، في حين جلس (عمرو موسى) صاغرًا بأمر من (بان كي مون) بعد أن قام ليحيّي أردوغان، وهنا يظهر الفرق بين القوي والضعيف.

نعم إن أردوغان رمز وقدوة للعديد في العالم، والتجربة التركية التي بهرت العالم وأصبحت هي الأخرى نبراسًا حتى لخصوم أردوغان (المتخفّين)، والذين انقلبوا فجأة عليه وعلى مسيرته، بعد طول اعجاب بها وذلك بنصيحة من آل سلول من أنّه سيسّفه أحلامهم في البقاء على صدور الشعوب، وهذه التجربة التي التصقت به التصاقًا رغم أنّه من الظلم نسبها إلى أردوغان وحده، ستقلق (قيلولتهم) و(سباتهم) الممتد على مدار فصول السنة الشمسية والقمرية ومعها المرّيخية.

ولقد لعبت بعض الدوائر الإعلامية دورًا مشبوهًا في محاولة لشق الصف (الأكبارتي) من خلال المديح المفرط بالسيد أحمد داود أوغلو، والذّمّ المبالغ فيه بالسيد رجب طيب أردوغان.

وعودة إلى ذي بدء:

إذًا تعدّدت الآراء والتحاليل ووجهات النظر حول أسباب وممهّدات فوز حزب العدالة والتنمية في انتخابات (1 نوفمبر 2015)، ومعجزة تخطي الحزب لكبوة حزيران 2015، واسترداد ما نسبته (8.5%) من أصوات الناخبين دون التطرق إلى السبب الأبرز الذي أراه من وجهة نظري كامنًا في القاعدة الربّانية الذهبية (إنّ خير من استأجرت القويّ الأمين)، هذه القاعدة التي لو طبّقت في أيّ من البلاد الفاشلة لقفزت في بضع سنين إلى مصاف الدول الغنية القوية. وهذا هو سر النجاح والفلاح الذي مهّد ورافق صعود ونجاح حزب العدالة والتنمية، وصعود نجم السيد رجب طيب أردوغان، فمنذ أن تولّى السيد أردوغان بلدية استنبول تحت يافطة الحزب الأب (حزب الرفاه) بدأت مسيرة (القويّ الأمين)، وبدأ معها (الكيد المتين) فدخول مجهول السياسة يحتاج إلى قوة وعزيمة، والسيد أردوغان ــ وكما هو معلوم ــ دخل بلدية استنبول وهي مثقلة بدين قارب الملياري دولار، وخرج منها وهيا ترفل بأرباح واستثمارات وتوفير وخدمات قدرت بالمليارات، كيف حدث هذا!؟

القويّ الأمين هو الجواب على ذلك، فميزانيات البلديات سابقًا كان تذهب على سبيل الرشى والعمولات والمحسوبيات من قبل (المناضلين) من الأحزاب (القومية)!! و(الوطنية)!! الساهرين على خدمة المجتمع وحماية مقدّرات الوطن!!

ولما سئل أردوغان مرة عن سر نجاحه وفريقه معه، هذا النجاح السريع والباهر أجاب: "لدينا سلاح أنتم لا تعرفونه أنه (الإيمان)..، لدينا الأخلاق الإسلامية، وأسوة رسول الإنسانية عليه الصلاة والسلام..".

نعم إنه الإيمان الذي لا يستقيم إلاّ بالأمانة، وكما هو معروف لم يترك السيد أردوغان حينها ليكمل مشواره، فأعداء النجاح لا يروقهم هذا، لأنه يقطع الطريق أمام عودتهم إلى سالف عهد النهب والرشوة والفساد ــ وهذا ما حصل فيما بعد ــ فتحركت آلة (الدولة العميقة) لتعطيل المشروع النهضوي لأردوغان وفريق تمامًا كما فعلت (الدولة العميقة) في دولة (سحيقة) ونجحت لكن كما يبدو مؤقتًا، فانبرى المدّعي العام في إسطنبول برفع دعوة ضد أردوغان في واقعة مشهورة، وبحجة جاهزة "تأجيج التفرقة الدينية في البلاد"، وذلك عقب إلقاء أردوغان شعرًا لأحد الشعراء الإسلاميين الأتراك يقول فيه: }مساجدنا ثكناتنا، قبابها خوذاتنا، مآذننا حرابنا، المصلون جنودنا، هذا الجيش المقدس يحرس ديننا {، فأصدرت المحكمة الجاهزة أيضًا حكمًا بالسجن على أردوغان.

وكما هو معلوم للكثيرين قبل الذهاب إلى السجن صلّى أردوغان الجمعة في جامع الفاتح، ويقال أن خمسمائة سيارة من الأنصار رافقته إلى السجن، وعند بابه خطب خطبته الشهيرة: "...وادعًا أيها الأحباب... سأقضي وقتي خلال هذه الشهور في دراسة المشاريع التي توصل بلدي إلى أعوام الألفية الثالثة... وأنتم اعملوا بجد كل ما تستطيعونه... ادعوا لي بالصبر والثبات... وبدل أصوات الاحتجاج وصيحات الاستنكار المعبّرة عن ألمكم أظهروا رغبتكم في صناديق الاقتراع القادمة...".

أيّ قوة، وأيّ إيمان، وأيّ تصميم هذا الذي كان فيه، وقد صدّقه الواقع الآن.

إنّ التبشير بالمستقبل وطرح المشاريع، ثم الإيفاء بها في مواعيدها ألا يحتاج إلى القوة!؟ لا سيما وأنت في بلد يعيش الديمقراطية فعلًا وواقعًا، ويراقب الخصم خصمه، ويحسب عليه أنفاسه، لا كما هو الحال في البلاد المجاورة، والمناورة التي تتعثر بالديمقراطية وتتلعثم بها، بل تمتطيها زورًا وتزويرًا.

أيّ تصميم وروح مقاومة وأنتم أمام تحدّ لثلاثة أرباع الكرة الارضية أو يزيد من شياطين الإنس، ومنافقي العصر من محبطي الأمم، ومثبطي الهمم، وأمام ماكينات الإعلام المتربّص، والمزوّر، والغاسل للأدمغة، والمغسول من كل القيم والمبادئ.

كل هذا مجيّش من (الحكومة العالمية!؟) لإحباط أي مشروع فيه بارقة أمل للنهوض والانعتاق، واستنشاق هواء الحرية في بلدان منطقتنا.

أبعد هذا: هل من شك أنّ مثل هذا الحمل، وهذه الأمانة لا يقوى عليهما إلّا (القويّ الأمين).

فلماذا وإلى أين يهربون!؟.