اعزي فرنسا نيابة عن امتنا ونيابة عن الشباب العربي المسالم والمكافح وأؤكد ان هذه الجرائم لا تعبر عن الاسلام ولا عن الأمة الاسلامية، هي تمثل فقط من يقف خلفها ويمولها ويديرها من انظمة استبداية و أيادي استخباراتية اقليمية ودولية مستفيدة وتستفيد من مثل هذه الجرائم ادعوكم الى ان تبحثوا بعمق مالذي يدور في الشرق الأوسط وان تربطوا تماما وانتم تناقشون قضايا مثل الارهاب ، .. بينه وبين الاستبداد ، واسألوا انفسكم كيف نمت داعش وترعرعت خلال عام وغدت قادرة على ضرب باريس وغيرها ، ابحثوا من المستفيد منها ومن هو صاحب المصلحة ومن هو المتضرر الأكبر منها ،
الإجابة الأكيدة لدي ان المستفيد الاكبر هم المستبدون وانظمة الاستبداد وان المتضرر الأول هم شباب الربيع وثورات الربيع ..
إني أؤكد على ان الاسلام .. دين سلام وتعايش كما هي كل الأديان ، وان امته امة محبة ورحمة كما هي كل الامم ، وأن الارهاب لادين له ولا امة.
كما إني على ثقة، أن الذين قاموا بهذا العمل الاجرامي سينالون العقاب الذي يستحقونه، لكن الحرب ضد الارهاب يجب أن تكون شاملة وعادلة أيضا، ولنتذكر أن الإرهاب يستمد قوته من الاستبداد والفقر وغياب العدالة أكثر من الفهم السيء للنص الديني.
ايها الاعزاء : ثلاث سنوات تفصل مابين مؤتمرين للديمقراطية في عاصمة الديمقراطية ستراسبورج شاركت فيهما ، لكن المؤسف ان العالم خلال هذه الفترة لم يشهد تغييرا حقيقيا نحو الديمقراطية والسلام.
لا تزال شعوب كثيرة في هذه الأرض تعاني من ذات الاستبداد والفساد والحروب الداخلية وغياب الحكم الرشيد وخاصة في منطقة الشرق الأوسط حيث شهدت انبثاق حلم الربيع العربي قبل اربع سنوات .
الأمر اكثر سوءا أنه تم الاطاحة بثورة شباب الربيع ، ووجدت الثورات المضادة والانقلابات العسكرية إما سكوتاً أومباركة او دعما ورضى للأسف من قبل بعض الانظمة الغربية، لقد وجدت الثورات المضادة والانقلابات العسكري طريقها لتقويض حلمنا العربي بالحرية والعدالة والديمقراطية والحكم الرشيد او تكاد.
المستبدون المخلوعون وبقايا أنظمتهم عادوا اكثر سطوة وأكثر جرءة على القتل والبطش وارتكاب المجازر .
لم يعد هناك حديث عن ملاحقة اموال الفساد ، ولا شيء عن ملاحقة مرتكبي المجازر.
أيها الأعزاء .. يؤسفني القول ان الخذلان الكبير والتآمر الأكبر الذي تعرض له حلم شباب الربيع وثوراتهم السلمية، ادى الى استبدال الربيع العربي السلمي بربيع داعش العنيف.
واليوم يتم تخيير الشعوب بين خيارين ظالمين اما الاستبداد واما الارهاب ، من يفعلون ذلك متحالفون بعلم ودون علم مع بقايا الانظمة المستبدة والفاشلة والفاسدة التي استهدفتها ثورات الشباب العربي.
امام هذين الخيارين الظالمين هناك خيار ثالث نحن من يختاره انه خيار الكفاح السلمي المدني المستمر لبناء الديمقراطية وتحقيق الحرية والكرامة على انقاض الاستبداد والارهاب وسوف نمضي في هذا الطريق الشاق حتى يتحقق الحلم.
دعوني أيها الأعزاء أؤكد هنا الى ان مكافحة الارهاب طريق لاتمر ابدا عبر دعم انظمة الاستبداد والفساد والصمت عنها. الاستبداد ليس نقيض الارهاب بل هو الوجه الآخر له والحاضنة المثالية لنموه واستنساخه.
مكافحة الارهاب تتم عبر مساندة حركات الكفاح المدني ، وعبر الحكم الرشيد والتنمية المستدامة.
اذكركم انه خلال عام ٢٠١١ والعام التالي له وهما العامان اللذان شهدا اندلاع ثورات الربيع السلمية خلال هذين العامين لم تشهد المنطقة عملية ارهابية واحدة لقد بدى للشعوب ان للتغيير طريق آخر غير العنف ، انها طريق الكفاح السلمي الذي اثبت نجاعته في اسقاط الدكتاتور باقل الاثمان.
أيها الاعزاء .. لقد عدت للتو من جولة لتفقد اللاجئين في صربيا وكرواتيا التقيتهم وتحدثت معهم برفقة زميلتي المكافحتين من اجل السلام شيرين عبادي وجودي ويليام الحائزات على جائزة نوبل للسلام وقد لاحظنا ان المهاجرين الذين اتخذوا صربيا وكرواتيا طريقا للعبور نحو دول اوروبا الأكثر ديمقراطية واستقرار ، هم عراقيين وسوريين والافغان وتكاد نسبة اللاجئين من هذه الجنسيات متساوية ، هؤلاء ضحايا الارهاب والاستبداد ، هؤلاء أبرياء فروا من الارهاب والاستبداد ، هم يبحثوا عن الحياة الحرة والكريمة التي حرموا منها فحسب في اوطانهم المجتمع الدولي يتحمل مسؤولية تدخله المتعثر في العراق وافغانستان تدخل لم يفضي الى بناء الديمقراطية والسلام ، تدخل قام فقط على القاء القنابل دون برامج كافية لبناء الديمقراطية والسلام والتنمية المستدامة.
يتحمل المجتمع الدولي كذلك مسؤولية عدم تدخله في سوريا والتي ظل متفرجا سلبيا ازاء عدوان استبداد بشار الاسد ونظامه ، وارهاب داعش واخواتها. هذا الاستبداد والارهاب الذي يقضي يومياً علىالشعب السوري دون هوادة، وفي ظل صمت ومباركة المجتمع الدولي. وكانت النتيجة هجرة الملايين من سوريا والعراق وافغانستان بحثاً عن الحياة الحرة والكريمة التي حرموا منها في اوطانهم
أيها الاعزاء .. أؤكد لكم أن تدفق اللاجئين لايمكن أن يتوقف عبر اقفال الحدود او عبر الاسلاك الشائكة او عبر القمع وكلاب الحراسة التي يطلقونها على اللاجئين اثناء عبورنم ، هذا امر غير مجدي فضلاً عن أنه يتنافى مع القيم الانسانية والقيم التي قام على أساسها دول الاتحاد الاوروبي يجب ان يتم التعامل مع اللاجئين عبر مسارين:
١- استقبالهم .. ايواءهم .. توفير الخدمات الصحية والتعليمية والغذاء والمواصلات بشكل مجاني ، والالتزام بالمعايير الدولية لاستقبال اللاجئين .. يجب معاقبة ومحاكمة مهربي البشر .. يجب توفير الاحتياجات الخاصة بالنساء والاطفال خاصة اولئك الذين يسافرون وحدهم.
٢- الاستجابة لمطالبهم بالحرية والعداله والديمقراطية والتنمية في بلدانهم ..
وهذا لا يمكن يتحقق في ظل انظمة مستبدة فاسدة تفرخ الارهاب وتصنعه لقمع التغيير وتطلعات الشعوب ** : ابقو الحدود مفتوحة .. ليس من المعقول ان تعاقب الشعوب بسبب حاكم مستبد يريد ان يحكمهم بالقوة والعنف والفساد والفشل .. وجماعات ارهابية فاشية تريد استعبادهم بالقوة والقهر أيضاً.
ايها الاعزاء .. اريد ان انبهكم إلى ان السلام داخل الدول لا يقل اهمية عن السلام بين الدول، وأن أسوأ انواع الحروب هي تلك التي يشنها المستبدون ضد شعوبهم، قتل نظام بشار الاسد مئات الآلاف وشرد ونكل بالملايين خلال اربع سنوات من الثورة ..
الشعب السوري يعاني من إرهاب الدولة وارهاب المنظمات الارهابية ..
داعش هي الوجه الآخر لأنظمة الاستبداد ، صُنِعت وفُرِّخت واستنسخت من قبل أنظمة استخبارات لضرب خصومهم السياسيين ، لقطع الطريق امام حركات التغيير.
أيها الأعزاء أعود فأقول ...يتعرض الشعب السوري الى ارهاب مزدوج .. ارهاب بشار الاسد وارهاب داعش .. وكلاهما وجهان لعملة واحدة .
كلاهما يغذي الاخر ويقتات منه ويستمد منه اسباب القوة والبقاء، يغرفون من ذات المستنقع الآسن وينالون من الشعب السوري .
ادعو من هذا المنبر للضغط من اجل مسار انتقالي في سوريا يشارك فيه الجميع عدا بشار وداعش .. ينتقل بسوريا الى رحاب الحرية والسلام
ايها الاعزاء .. قامت ميليشيا الحوثي والمخلوع علي صالح المدعومة والممولة من قبل النظام الايراني بالاطاحة بكل ماتوافق عليه اليمنيون من مشروع دستور جديد ومخرجات للحوار الوطني وآلية تنفيذية للعملية الانتقالية وسلطة وحكومة انتقالية تم التوافق عليها ، وعوضا عن تسليم السلاح والانسحاب من المناطق القليلة التي كانوا يحتلونها والذهاب للاستفتاء على الدستور والشروع في الانتخابات المختلفة بناء عليه ، ذهبوا لاحتلال العاصمة والعديد من المحافظات اليمنية والاستيلاء على مختلف مؤسسات الدولة بالقوة والقهر ، وقامو بتقويض كافة مكتسبات ثورة فبراير الحوثيون وحليفهم المخلوع علي صالح يقودون ثورة مضادة ضد ثورتنا السلمية التي اسقطته في ٢٠١١ ،انهم يرتكبون في اليمن جرائم ضد الانسانية انهم ينتقمون من ثورتنا ، فقد قاموا بقمع المظاهرات السلمية، وتعذيب الناشطين و خصومهم السياسيين واخفاء الآلاف منهم قسرياً ووضعهم في مناطق معرضة للقصف مماادى الى قتل الكثير منهم ، وسرقة وتفجير منازلهم وتفجير المساجد والمدارس ، وإغلاق وسائل الإعلام ونهب محتوياتها، واحتلال مؤسسات الدولة، وتعيين أشخاص موالين لهم في مفاصل أجهزة الدولة، وبث خطاب الكراهية والعنصرية تجاه اليمنيين وتجاه العالم، الموت لامريكا .. الموت لاسرائيل .. اللعنة على اليهود .
من قصف عشوائي للمدن والاحياء المكتظة بالسكان ، يقومون باعتقال صحفيين وناشطين حقوقيين ومعارضين سياسيين واخفاءهم وتعد مدينة تعز الأكثر من حيث عدد السكان شاهدا على مدى استهتار وجنون الميليشيات التي تردد أن ما تقوم به هو نوع من التأديب لأبنائها الذين انخرطوا بكثافة في الثورة ضد المخلوع صالح. في هذا السياق، يجب على التحالف العربي عدم استسهال ضرب أهداف داخل الأحياء السكنية، فهذا الأمر يؤدي غالبا لسقوط ضحايا بين صفوف المدنيين.
ميليشيا الحوثي الارهابية الفاشية هي داعش في اليمن، ايها الاعزاء ان تحقيق السلام في اليمن يتم فقط عبر التخلي عن كافة الاجراءات الانقلابية والعودة الى كل ماتوافق عليه اليمنيون .
مرة أخرى ادعو من هذا المنبر كافة دولة العالم ومنظماته واحزابه الى مسانده كفاح الشعب اليمني وطموحاته والضغط من اجل العودةالى كافة ماتوافق عليه اليمنيين من ، من مخرجات الحوار الوطني وفي مقدمتها تسليم الاسلحة والانسحاب من المناطق للسلطة الانتقالية المتوافق عليها وافساح الطريقة لها للاشراف على الاستفتاء على الدستور الذي انجزناه وانهينا مسودته ووقعنا عليه، واجراء الانتخابات بناء عليه.
في الوقت الذي يسعى هذا الملتقى إلى ترسيخ مبادئ التعايش في المجتمعات التي تشهد تنوعا دينيا وثقافيا واجتماعيا، من خلال تبني قيم مشتركة، ومن خلال إعادة بناء العلاقات بين مكونات المجتمع الواحد على أسس الاحترام والثقة، فإن هناك من يسعى جاهدا لحشد هذه المجتمعات وراء أفكار أحادية، رغبةً منه في أقصاء الآخر، باعتباره خطرا يهدد معتقداته الدينية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية.
اخيراً ايها الاحبة : باعتقادي، أن المجتمعات التي تتسم بالتنوع الديني والعرقي والثقافي هي أكثر صحة من المجتمعات التي تسيطر عليها الأحادية، فعلى عكس ما يعتقده المتطرفون وأصحاب التوجهات الشوفينية والعنصرية، فإن التنوع في الأساس هو مصدر غنى وقوة، وليس مصدر ضعف على الاطلاق.
يتحول التنوع بمختلف أنواعه إلى عبء وإلى مشكلة عندما يفكر البعض في الهيمنة والسيطرة، وقمع كل الأصوات التي لا تشبه صوته، لكن في حال لم يحدث ذلك، فإن الأمور تكون مستقرة، وليس هذا وحسب، بل يساهم هذا التنوع في الدفع بمسيرة التنمية والتطور الحضاري قدما، وتحقيق انجازات ملموسة في جميع المجالات و الاصعدة، ولا شك أن المائة العام الأخيرة قد شهدت تغيرات في بنية المجتمعات الإنسانية، بفعل الهجرات الكبيرة والمتنوعة، وثورة الاتصال والمعلومات، ومن هنا، برزت مشكلات تتعلق بتصادم الهويات وتعثر فكرة الاندماج، ونتيجةً لذلك، ظهرت دعوات عنصرية وفاشية تحرض على الكراهية، وتطالب بطرد كل المختلفين مع أصحاب هذه الدعوات، سواء كان هذا الاختلاف بسبب لون البشرة أو المعتقد أو الثقافة، مستغلةً جهل البعض، وخوف البعض الآخر، من فكرة التنوع والتعددية من الأساس.
وكما تعلمون، فقد ساهمت التحديات الأمنية وتنامي الإرهاب في تعزيز الشك تجاه الآخر، وهذا سمح بانتشار ملحوظ للاتجاهات العنصرية، وهذا الأمر يقلق العقلاء، ليس لكونهم اكتشفوا أنهم على خطأ، ولكن لأن ذلك يساهم في زعزعة الثقة بما يدعون إليه من مبادئ التعايش والتسامح والمواطنة التي تتيح للجميع اعتناق ما يريدونه من أفكار ضمن دائرة القانون، على عكس المتطرفين الذين يكتسبون الثقة في أنفسهم وفي توجهاتهم الاقصائية.
إن مشكلة العالم كما يراها الفيلسوف الانجليزي الشهير برتراند راسل: "أن الأغبياء والمتشددين واثقون بأنفسهم أشد الثقة دائما، أما الحكماء فتملأهم الشكوك".
اصدقائي الاعزاء لم يعد العالم مقسما إلى جغرافيات متباعدة، بل صار بفعل ثورة المعلومات والتحديات المشتركة قرية صغيرة، وهذه الحقيقة تفرض علينا العمل على احترام مبادئ مثل التنوع والمشاركة الإنسانية، تفرض علينا أن نبذل مجهود أكبر في التعرف على ثقافاتنا المختلفة، اعني ما أقول تماما، إننا أبناء عالم واحد، قرية صغيرة واحدة، من الضروري أن نفهم بعضنا حتى لا نقع ضحية للتضليل والكراهية.
إذا فعلنا ذلك، واعتبرنا أن اختلاف الثقافات ليس دليلا على تفوق ثقافة بعينها، وإنما على التنوع وحسب، فإننا سنخطو خطوات كبيرة باتجاه السلام.
أعرف أن مثل هذا الكلام قد لا يروق للبعض، خصوصا أولئك الذين يبشرون بأن الحروب القائمة اليوم أو القادمة ستحدث لأسباب ثقافية، لكني أراهن دائما على الشعوب، والشعوب مهما اختلفت ثقافاتها أو انماط حياتها أكثر رغبة في الاستقرار والسلام.
* خطاب القته في المنتدى العالمى للديمقراطية في ستراسبورج – فرنسا ١٨ نوفمبر