شيء من مواصفات الدولة الظالمة المفترية!
السيطرة على دار الرئاسة أو على اليمن كلها، وفرض رؤيتهم في الدستور الجديد ليست هي الدليل على أن الحوثيين صاروا هم الدولة أو سلطة الأمر الواقع.. إلخ المسميات والأوصاف التي أطلقت عليهم منذ اقتحموا العاصمة صنعاء وسيطروا عليها! ففي العالم الثالث فكل هذه تعد شكليات أو على أقل تقدير مواصفات ثانوية من سمات السلطة العالمثالثية أي السلطة الظالمة المستبدة المتخلفة!
الإنصاف أن السلطة الحوثية امتلكت أيضا مواصفات السلطة الحاكمة المتجبرة الحقيقية وليست الوهمية، والرئيسية وليست الثانوية الهامشية! وصحيح أن كثيرين تحدثوا عنها لكن من باب النقد والشكوى فقط وليس من باب وضع الاسم على المسمى، ولذلك فليس غريبا أن نسمع منذ الأحد الماضي التحذيرات والصراخات تتعالى من كل مكان تحذر من السقوط النهائي للدولة وبقايا رموزها السيادية. وكأن النظام في عالمنا هو دار الرئاسة (يا سم!) أو مؤسسات الدولة السيادية (صانكم الله!) أو مؤسسات الإعلام الرسمي (دواشين العصر!).
هذه هي.. السلطة!
بالمعايير المترسخة تاريخيا للأنظمة العربية خاصة منذ بدأ زمن السلطة الوطنية بعد الاستقلال؛ فإن المواصفات التي تمنحهم صفة السلطة الحاكمة، وتجيز لهم بدون معارضة حق الحصول على مقعد اليمن في الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي هي المواصفات العربية العريقة التي طالما عرفناها ويبدو أن البعض نسيها في غمرة أحلام ثورات الربيع العربي عندما ظننا أن الشعوب نجحت في تصحيح الأخطاء التاريخية، وبدأت السير في الطريق الصحيح!
والأجدر بالتنبيه الآن هو تذكير الناس بما غفلوا عنه من تلك المواصفات التي تمتعت بها سلطة الحوثيين.. واستحقت بها أن تكون سلطة حاكمة.. ولا فخر:
1- الزعم أنها سلطة شعبية تحظى بتأييد الشعب كله من آخر شبر في المهرة حتى سواحل تهامة الغربية.. وكل تصرف تقوم به.. أستغفر الله العظيم.. نقصد تقوم به جماهير الشعب عبر لجانها الشعبية هو تعبير عن الرغبات والأماني الشعبية، واستجابة لأوامر الشعب!
2- السلطة الحوثية جاءت نتيجة ثورة شعبية كاملة الأركان والمواصفات على نفس طريقة الثورات وكل الحركات التي استولت على السلطة في عالمنا العربي خلال ستين سنة.. وفي مواجهة المشككين نؤكد أنه ليس شرطا لمواصفات أي ثورة أن يقوم بها كل الشعب أو أن يشارك فيها كل طوائفهم و طبقاتهم ومحافظاتهم فنحن في عصر ما بعد السرعة، ويكفي العدد الذي تقام به صلاة الجماعة.. والمهم الآن أن يعتمد يوم الثورة كإجازة رسمية بدءا من العام القادم.. وإلا فستظل ثورة ناقصة!
3- التأكيد كل فيمتو ثانية في الإعلام الحوثي أنهم حريصون على مصالح الوطن والمواطنين على العكس من معارضيهم والرافضين لهم عملاء الخارج الموغلين في الإضرار بالمصالح الوطنية بل لا يعرفونها أصلا على حقيقتها؛ وخاصة أن كثيرين لا يتابعون وسائل الإعلام الثورية!
4- العداء الخارق للفساد والحرص على مواجهة الفاسدين، والتنديد بهم ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا، والعمل على استعادة أموال الدولة وأسلحتها الثقيلة والمتوسطة التي نهبوها وخاصة الدبابات والآليات وما شابهها! وحماية المواطنين من ممارسات الفساد والجباية غير الشرعية، والمكوس المفروضة عليه من قبل المتنفذين الفاسدين!
5- العداء للصهيونية، والإمبريالية الأمريكية عداء لا يفتر ولا ينام، ونشر ثقافة شتمهم في كل مكان!
6- رفض الإرهاب والإرهابيين ومحاربتهم حربا لا شفقة فيها ولا: يا أمه ارحميني! وحشد كل الطاقات الرسمية والشعبية لخوض المعركة ضد الإرهاب حتى آخر نقطة دم في جسد آخر مواطن، وعلى سنة الشيطان الأكبر بوش الابن: من ليس معنا فهو وأبوه وأمه وأهله وأولاده ومنزله وجيرانه.. إرهابيون!
7- الإيمان بالشراكة الوطنية ورفض ممارسات الإقصاء والتهميش ليل نهار وفي كل سطر، وقبل وبعد الوجبات الثلاث وتناول القات وأشباهه! ورفض السيطرة على الوظيفة العامة والمال العام أو الانحراف بالجيش والأمن عن الصيغة الوطنية المتوازنة، وجعل المناصب القيادية بالشراكة بين كل اليمنيين دون اعتبار لمعايير المذهبية والسلالية والقبلية والحزبية والمناطقية!
8- إدارة مؤسسات الإعلام الرسمي وفقا لمعايير الشراكة والحيادية والمهنية، والحرص على أن يكون العاملين فيها من كل شرائح الوطن حزبيا ومذهبيا وسلاليا وقبليا ووفق مبدأ الشراكة! والتأكيد على أنها هي الإعلام الحقيقي الصادق المعبر عن الشعب وآماله وآلامه، وتطهيرها من كل عميل وفاسد وخائن.. واختصارا: من كل معارض!
9- اتهام المعارضين بأنهم يتآمرون للاستحواذ على السلطة بكل ما فيها من نجاسة وقذارة، ولا يتورعون عن تزوير الانتخابات والاستعانة بالخارج لتحقيق مآربهم.. مع أن الثابت أن السلطة مفسدة وضرر، ومن يحكم اليمن كمن يركب الليث أو يرقص على رؤوس الثعابين!
10-النجاح في تحقيق الأمن والاستقرار في كل ربوع الوطن كما لم يحدث في التاريخ حتى المواطن اليمني يسير من غرفة نومه إلى الحمام لا يخشى أحدا إلا قذيفة صاروخية أو اقتحام مفاجيء!
11-التعاطف مع كل المعتقلين السياسيين في الدول العربية الأخرى وفي إسرائيل والبحرين خاصة تجاه ما يلاقونه من تعسفات وانتهاكات خارج نطاق القانون؛ مثل الحبس بدون إذن النيابة، وبطرق غير قانونية في سجون غير شرعية لا تخضع للقانون.. وعدم السماح للمعتقلين بالاستعانة بمحامين، ودون توفير أي ضمانات لتحقيق العدالة، وفي ظروف إنسانية صعبة جدا!
12- اتهام المعارضين بأنهم طائفيون مذهبيون لا يؤمنون بالتسامح المذهبي ولا بحقوق الآخر.. ولا يعرفون الجوهر الحقيقي للإسلام الحنيف الذي جاء به محمد صلى الله عليه وآله وسلم! وأنهم قتلة يستبيحون الدماء وقتل النفس التي حرمها الله، وينتهكون الحرمات الخاصة!
يحدث في وطننا العربي.. حصريا!
على قدر هوان (الدساتير) في أوطاننا العربية على الحكام والمحكومين على حد سواء؛ على قدر ما تشتد الخلافات حولها عند إعدادها والاستفتاء عنها، وترتكب في سبيل تجييرها لمصالح حزبية وشخصية كل الموبقات التي تتوج في الأخير بعد الالتزام بالدستور ووضعه في مكانه الطبيعي تحت.. الأحذية!
آخر أنموذج عربي لمهزلة الدساتير ما حدث في مصر بعيد الانقلاب العسكري الذي ألغى دستور مستفتى عليه بحماية الجيش وقائد الانقلاب نفسه.. وتم إعداد دستور جديد على مزاج العسكر وعبيدهم من الليبراليين والقوميين واليساريين ومخبري حزب النور السلفي (هؤلاء الأخيرون هم الذين أصروا على مادة في الدستور المنقلب عليه لتفسير معنى الشريعة الإسلامية، وكانت سببا رئيسيا من أسباب الانقلاب العسكري الذي شاركوا فيه!).. وها هي مصر منذ مرروا الدستور الجديد تعيش على الضد من أبرز مواده، وخاصة في جانب حقوق الإنسان والحريات التي جعلت مصر في مصاف دول الموز اللاتينية القديمة، ومنافسة لأنظمة القهر الأفريقية من نوعية نظام بوكاسا!
عندنا في اليمن كانت قصة الدستور منذ الوحدة على الأقل ملهاة هندية بامتياز.. حتى أنهم عند الاستفتاء على مشروع دستور الوحدة أعلنوا خوفا من رفضه شعبيا أن الاستفتاء مجرد استئناس (يعني شوهة بالعدني وتفرطة بالصنعاني!).. وهددوا أن رفضه يعني رفضا للوحدة والموافقة عليه موافقة على الوحدة (الآن يقول بعضهم: الوحدة لم يستفت عليها!).. وكما هو معروف لم يكن مصير الدستور أفضل من غيره.. وها هو اليمن على موعد جديد مع خلافات حول الدستور الجديد، ومن التجربة يمكن التأكيد أنها ستكون جنازة حامية والميت.. دستور عربي.. لا.. وكمان: دستور يمني!
مؤامرة أم نكتة!
لا أتفق مع الذين يقولون إن الدعوة لانتخابات في الظروف الراهنة هو المخرج والحل للأزمة.. الراجح أنها نكتة إن لم تكن لغزا نحويا.. فإذا كانت الدولة غير قادرة على ضمان إقامة مباراة في دوري كرة القدم في المحافظات الجنوبية؛ فكيف نتخيل أنهم هناك سوف يسمحون بإجراء انتخابات وقبلها استفتاء على الدستور وقبل كل ذلك إعادة تأسيس جداول ناخبين جديدة على أسس علمية تمنع التزوير في مناطق يهيمن عليها المنكرين لشرعية الدولة بفيدرالية أو بدونها؟
وكيف ستتم كل هذه الإجراءات في ظل حقيقة خروج محافظات شمالية عن سيطرة الدولة بما فيها العاصمة صنعاء، ووقوعها تحت سيطرة مليشيات حزبية ومذهبية؟ وفي ظل حقيقة أن المهيمنين على الأرض بعضهم لا يؤمن بشيء اسمه انتخابات نزيهة وفق سجل نظيف خال من أسماء الموتى والغائبين والمكررين والأطفال.. وبعضهم لا يؤمن بها لأن الديمقراطية كفر أو من صنيعة اليهود والشيطان الاكبر؟