واحدة من الدروس الهامة التي يقدمها الاعتداء الأخير بصاروخ "توشكا" على معسكر العمري بباب المندب، والذي نتج عنه استشهاد العقيد الركن عبد الله السهيان، والضابط الإماراتي سلطان الكتبي، هو أن تحرير محافظة تعز يجب أن يتحول إلى أولوية استراتيجية للتحالف قبل أن يكون استجابة لمعاناة آلاف الناس الذين يرزحون تحت نير الحصار الميلشياوي المفروض عليهم منذ عدة أشهر..
يفخر التحالف العربي بتحرير محافظات تعز ولحج وأبين، ولكن هذا الإنجاز الاستراتيجي يحتاج إلى تعزيزه بدحر قوات المخلوع صالح والحوثي من تخوم هذه المحافظات، وضرب إمكانياتها العسكرية التي تتركز في تعز وأجزاء من الضالع وفي البيضاء، كمقدمة لتحرير بقية المحافظات.
لا يمكن الحديث عن إنجاز عسكري والمتمردون يحتفظون بهذا العمق الاستراتيجي تحت سيطرتهم، ويستخدمونه لإعاقة خطط الحكومة والتحالف لاستعادة الدولة.
فقدان قائد قوات العمليات الخاصة، العقيد الركن عبد الله السهيان، في الهجوم الصاروخي خسارة كبيرة، فهذا القائد عمل الكثير من أجل إنقاذ عدن ولحج وأبين، تماماً كما تفعل بلده من أجل مساعدة اليمن عسكرياً واقتصادياً.
ما كان لهذه الخسارة أن تقع لو تواصلت عمليات تطهير محافظة تعز، فهذا الصاروخ أطلق من مكان ما في المخا، حيث لا تزال قوات المخلوع صالح وميلشيا الحوثي تحتفظ بوجودها العسكري هناك.
أراد المتمردون من هذ الإنجاز العسكري تعزيز موقفهم في المشاورات المقرر أن تنعقد في مدينة زيورخ السويسرية وفق أرجح التقديرات، ويريدون أن يذهبوا إلى هذه المشاورات وقد أوجعوا القوة الكبرى التي تلاحقهم في اليمن، وكانوا يطمحون في استهداف قاعدة خميس مشيط بجنوب المملكة، في سياق خطة الدعم المعنوي هذه، وقبلها أراد المتمردون أن يحققوا اختراقاً على الحدود، فشلت كل محاولاتهم تلك، ونجحوا فقط في اغتيال هذا القائد فيما يدل على وجود إسناد استخباري من نوع ما، حصلوا عليه من المعسكر المستهدف.
لا أعتقد أن استهداف القائدين العسكريين السعودي والإماراتي، سيمنح المتمردين نقاطاً جديدة، بل على العكس من ذلك، بل قد يحفز التحالف العربي إلى تغيير استراتيجية الحرب التي يعتمدها وخصوصا في تعز، وقد يُبقي الأيدي على الزناد، ويبقي الوضع متوتراً للغاية إلى حد لا تصمد معه الهدنة المقرر أن تدخل حيز التنفيذ منتصف ليل الاثنين- الثلاثاء.
لا أحد من طرفي الأزمة، سواء الحكومة أو المتمردين، لديه اليقين بأن الطرف الآخر سيذهب في خط التسوية السياسية إلى حد يمكن معه الاستغناء تماماً عن خيار الحرب.
المتمردون لا يزالون يراهنون على الحرب والفوضى التي تمنحهم الفرصة للبقاء في المشهد، والحكومة ومعها التحالف موقنان بأن السلام لا يمكن أن يعم اليمن وهناك ميلشيا مسلحة وتستولي على مؤسسات الدولة.
الدولة تنظر إلى الحرب باعتباره الوسيلة الوحيدة التي يمكن أن توفر ضمانات حقيقية ليمن أكثر استقراراً، وذلك حينما يتم القضاء على الميلشيا وإمكانياتها العسكرية، وطي صفحتها.
في أحيان كثيرة يمكن للقوة وحدها أن تجلب السلام، عندما تتأسس عقيدة الخصم على الإيمان بالحرب والفوضى ونفي وإقصاء الآخر وهي مواصفات تنطبق تماماً على حلف الانقلاب: صالح وقواته المتمردة وميلشيا الحوثي.