الحملة واسعة النطاق التي أطلقها الناشطون ضد "المحايدين"، وتفاعل معها العديد من الكتاب والسياسيين، نجحت في تعرية أولئك الذين ادعوا الحياد، وهم ليسوا كذلك.
معظم هؤلاء كانوا جزءً من الكتيبة الناعمة التي تقدمت صفوف الميلشيا في مهمة الإطاحة بالشراكة الوطنية ونفي الآخر ومصادرة حقه في الحياة.
عملوا بمثابرة عجيبة على مهاجمة الخصوم الإيديولوجيين للميلشيا، وسوقوا للمعركة اللاوطنية التي حددوا أهدافها بإسقاط "القوى الدينية والتقليدية"، فكانوا المعاول السيئة التي هدَم َبها الحوثيون وشريكهم المخلوع صالح المبنى الوطني ليشيدوا مكانه قلعة دينية متشددة ملغمة بنظرية الحق الإلهي في الحكم المطلق، ومترعة بحس مناطقي ومذهبي سافر..
كان مؤتمر الحوار الوطني الذي عُقد لأجل أن يتوصل اليمنيون إلى وفاق وطني شامل هو الساحة التي تحرك فيها قوادو السياسة ومارسوا دورهم البائس في تجميع الكتيبة الناعمة من المتساقطين، المحسوبين على ناشطي وسياسيي وإعلاميي هذا البلد.
على عامين وهي فترة اشتعال ثورة الحادي عشر من فبراير ملأ هؤلاء الناشطين والإعلاميين والكتاب مقاعد الطيران على خط صنعاء وبيروت وطهران، طيلة سنوات ثورة الحادي عشر من فبراير 2011.
انحرف هؤلاء عن خط الثورة، وتبنوا أجندة مغايرة تماماً لأجندتها وأصبحوا كتيبة من كتائب الحرس الجمهوري وقوات الأمن الخاصة وكتائب الحسين الحوثية، ولكن بالزي المدني.
حينها أظهر هؤلاء موقفاً مسانداً لنظام المخلوع صالح، على الرغم من استمرارهم في الترديد الممجوج لشعارات الثورة والتغيير.
إذ لم تكن حينها إزاحة المخلوع صالح من الرئاسة إحدى أولوياتهم بل القضاء على الضابط الأبرز في الجيش اليمني والذي اختار الانحياز إلى الثوار ومساندة الثورة، وأصبحت قواته هي الهدف.
لذلك أنصرف بعض أشهر هؤلاء الناشطين والناشطات لاختلاق أكاذيب عن اختلاط وممارسات لا أخلاقية في ساحة التغيير بصنعاء، وتم الحديث أيضاً عن معتقلات سرية وتعذيب، وكأن ثوار الساحة كانوا يثورون على اللواء علي محسن والإصلاح، حتى يساقوا إلى المعتقلات والسجون السرية الخاصة.
تحول معظم هؤلاء الناشطين والكتاب والإعلاميين إلى وقود للمغامرات الحوثية في ساحة التغيير والتي كانت تهدف إلى خلق منابر متباينة لخطاب الثورة الذي يجب أن موحداً ومتماسكاً.
ولحسن الحظ لم تنجح تلك المحاولات اليائسة في شق صفوف الثوار رأسياً وأفقياً مادياً وفكرياً، فاضطر بعضهم إلى القيام بانسحابات مفضوحة من الساحة.
ليس هذا فحسب بل عمد هؤلاء لتأسيس جماعات داخل الساحة كرست لتسويق أفكار لا علاقة لها أبداً بما يريده الثوار وبأهداف الثورة.
ومنذ بدأ الحوثيون بتهجير أبناء دماج اتحدت هذه الكتيبة الناعمة مع كتائب الموت الحوثية، وكان بعضهم يتعمد التقاط صور تذكارية على أشلاء من قتلوا في دماج باعتبارهم إرهابيين.
وظلوا يقدمون التغطية الكاملة للمغامرة الحوثية التي انتهت بإسقاط صنعاء وغزو تعز وعدن وبقية المحافظات.
العشرات من أعضاء هذه الكتيبة تغلغلوا في المنظمات الدولية داخل اليمن وخارجه، حتى نجحوا في تعطيل دور هذه المنظمات، فأصبح دورها باهتاً ومتخاذلاً بل ومتواطئاً أحياناً، حتى اضطرت الحكومة إلى اتخاذ قرار صعب بطرد أحد ممثلي هذه المنظمات من اليمن.
هؤلاء ليسوا محايدين هؤلاء كتيبة مقاتلة وأدواتها فتاكة ومدمرة.
لا نريد الخلط هنا بين من اضطر أن يسكت خوفاً على حياته، لكنه بقي متماسكاً في موقفه ولم يجيره لصالح الميلشيا والانقلابيين، وبين من انخرط بشكل واضح في دعم الميلشيا واختار أن يكون واجهتها الناعمة في الاعتصامات والمظاهرات المصطنعة والمؤتمرات والندوات الدولية التي تعقد حول اليمن.
في الواقع لا يوجد محايدين.. يوجد فقط قتلة وانتهازيون وموتورون وهؤلاء، اختاروا الكلمة لتكون أحد أمضى أسلحتهم في ذبح مشروع الوفاق الوطني من الوريد إلى الوريد.