الانتصارات التي يحققها الجيش الوطني والمقاومة الشعبية في منطقة "فرضة نهم" إلى الشرق من العاصمة صنعاء تؤشر إلى المستوى الحقيقي للمعركة، وتشير إلى الطرف الذي بات يمتلك زمام المبادرة في حرب توشك على النهاية.
الاقتراب من صنعاء يعني أن الحبل التف مرتين أو أكثر حول عنق المخلوع صالح وحليفه الحوثي، لا مكان هنا للتخمينات أو الاستعراضات.. هناك معركة تُدار بخبرات الجيوش العصرية، فهي شاملة، وتقوم باحتواء العدو مادياً ومعنوياً وتعيد توجيهه في الميدان عبر استدامة بؤر المواجهات في مناطق تبعد كثيراً عن صنعاء، وتسمح له ببعض الاختراقات التي تجعله مقتنعاً أكثر بإمكانية تحقيق نصر عسكري، كما يحدث في محيط تعز وفي كرش والمخا، على سبيل المثال.
الجيشُ يتقدم نحو العاصمة، وفق خطة محكمة وثمة تدابير تم اتخاذها من بينها على سبيل المثال، إسكات قناة المسيرة أو على الأقل الحد من انتشارها وتأثيرها في أوساط متابعيها.. كان إسقاط معسكر الفرضة أحد المستحيلات التي راهن عليها الانقلابيون، لكن ذلكاصبح ممكناً منذ اللحظة التي انطلقت فيها معركة تحرير مأرب.
فقوام الجيش وتجهيزاته العسكرية والدعم الجوي الذي يحظى بهوتوفر مظلة حماية صاروخية متطورة، كان يعني بوضوح أن معركة تحرير صنعاء ماضية نحو تحقق كامل أهدافها، إذ لا خيارات أخرى أمام التحالف العربي والحكومة سوى استعادة صنعاء، وإنهاء نفوذ الانقلابيين.
الأمر هنا لا يتعلق بكسر إرادة أحد وإنما التصرف بمقتضى المسئولية تجاه طرف جعل حياة اليمنيين وعيشهم المشترك في خطر كبير، وهدد بتقويض الاستقرار في اليمن، وكاد أن يحول البلاد إلى منصة لاستهداف الجيران مما يجعل البلاد رهن سياسة إيران الطائفية الرعناء.. هذا هو الهدف الأخلاقي لمعركة الحكومة والتحالف مع الانقلابيين.
نعلم جيداً أن المخلوع صالح لا يزال لديه أوراق يلعب فيها في هذا المنعطف الخطر من حياته السياسية، كتحريك تنظيم القاعدة الذي سيطر في الأول من فبراير الجاري، بصورة مفاجئة على مدينة عزان ثاني أهم مدينة في محافظة شبوة، والتي يمر فيها أنبوب الغاز الطبيعي المسال.
انتشار تنظيم القاعدة المفاجئ جاء بعد الغياب المفاجئ أيضاً من جانب مسلحي ما يسمى "المقاومة الجنوبية"، في حين قام قائد محور عتق، ناصر النوبة بنشر عناصر من اللواء الـ30 مشاه في عتق، في سلوك مفاجئ أيضاً، فيما كان الناس ينتظرون من هذا القائد الحراكي أن يواجه حركة التهريب النشطة لصالح الانقلابيين عبر شبوة.
ليس خافياً أن يحدث ما حدث في عزان بعد إقالة رئيس جهاز الأمن القومي علي الأحمدي الذي ينتمي لمحافظة شبوة، وهذا ما لفت إليه صحفي من شبوة، رغب بعدم الكشف عن اسمه، والذي أورد جملة هذه الحقائق وطرح السؤال ذاته: لماذا يحدث كل ما يحدث الآن في شبوة؟..
إن ما حدث في شبوة له صلة بكل ما ذكره هذا الصحفي وأضيف إليه، إن تطورات الوضع في "عزان" يكشف أحد الأوراق التي لا يزال المخلوع يحتفظ بها في مواجهات تحديات باتت أقوى بكثير من كل حيله وألاعيبه.
هناك مخزن ممتلئ بالعملاء والخونة الذين لا يزال يحتفظ بهم عفاش وإيران وزعيم ميلشيا لحوثي، إنه جهد سنوات من شراء الولاءات والذمم، والأموال الطائلة.. ويقيني أنه لم يعد أمام الانقلابيين من خيارات أو مفاجآت سوى الانتحار أمام قوات تفوقهم عدداً وعدة وإرادة على الانتصار، ومع هذه القوات تلتحم أماني ملايين اليمنيين وفي المقدمة منهم سكان صنعاء الذين أدركوا اليوم أن مدينتهم تحولت إلى سجنٍ كبيرٍ ومقبرة بلا عشب ولا ظلال..