فرق شاسع بين ١١ فبراير ٢٠١١، وذكرى ثورة فبراير الخامسة 2016، ففي عام الثورة الأول وفي أيامها الأولى لم نسمع سوى الهتافات، بينما اليوم لا نسمع إلا أصوات الرصاص والمدفعية.
ما زلت أتذكر جيدا الشباب في ساحة التغيير بـ"صنعاء"، وهم يحملون بيد الكتب والدفاتر، وبالأخرى يمسكون بلافتة تترجم أحلامهم، كانوا يخرجون يومها من المحاضرات والاختبارات، ليقفوا تحت الشمس يحلمون بالغد الآتي، فسكنت تلك الأحلام عقولهم، فيما سكنت أجسادهم الخيام، أولئك الذين يحملون في جيوبهم البطاقة، وبعض النقود التي تكفي حاجة يومهم، وقلم، هم من لفحت الشمس وجوههم، ووحدهم من يستحقون الاحترام، وبأيديهم سيُبنى اليمن الجديد.
لقد حرص شباب الثورة منذ اليوم الأول لثورتهم على سلميتها، بعد أن شكلت ثورة الياسمين في تونس أنموذجا، ومضت الأيام الأولى والشباب الواعي متمسك بخيار السلمية، إلا أن السلمية لم تستمر، لأن هناك من لا يؤمن بها، ومن صعدوا بانقلابات واغتيالات، لم يريدوا لها أن تكون كذلك، فراوغوا وهاجموا الحشود، وهم غير مدركين أن الشباب الذي ظنوا بأنه لن يفعل شيئا، سترجح كفته، وستنتصر إرادته.
انحرف مسار الثورة التي أرادها الشباب أن تبقى سلمية، فأدركوا أن عليهم أن يسيروا في طريق آخر، وإن كان لا يتماشى ورغباتهم، فمن غير المعقول أن يستكين الشباب، بحجة حرصهم على سلميتهم، ويسمحوا بأن يقتلوا على أيدي من يؤمنوا بالدماء فقط.
اتخذت ثورة فبراير مساراً آخر، وفي الوقت الذي عدّ البعض فيه أن ما حدث هو هزيمة لها، أكد الشباب على شرعية أهداف ثورتهم، والتي لم تعد تتجزأ عن كل أهداف الثورات السابقة، فانضموا إلى معسكرات القتال، من أجل الدولة المدنية التي حلموا بها، فكانوا وحدهم من جُرحوا، وواجهوا الموت مرات عديدة، وأثبتوا أن الثورة التي ترسخ في الأذهان، لن تضيرها البندقية.
الثورة اليوم وعلى الرغم من كل ما حدث، ما زالت تتوهج بعيون أبنائها، كما لو كانت في يومها الأول، وبذات الإصرار والعزيمة.
وشبابها هم يعيشون اليوم بأمل أكبر بالدولة المدنية التي حلموا بها، والتي لن يتنازلوا عنها، بعد كل تلك التضحيات، ولن يسمحوا بإعادة البلد إلى مربع التخلف والتجهيل.
يحاول البعض أن يلصق تهمة عدم استقرار البلد بهم، بينما الواقع يقول إن البلد بلدهم، وأحلامهم مشروعة، ووحدهم من يؤمنوا بالدماء، أو بالحق المقدس في الحكم، فهم من دمروا البلد.
الثورة التي حررت أرواح الشباب، وأرواح من ماتوا في الحياة، شبابها اليوم يلعنون من تسلقوا على ظهورهم، ثم لم يلتفتوا لهم، ويلعنون من لم يؤمنوا بهم فهمشوهم، ومن كانت لديهم ثارات وطموحات، فاتخذوهم دروعا ليصلوا إلى مكاسب وامتيازات.
نحن أمام طاقة عظيمة يجب أن تستغل، وعلى الشباب أن يكونوا أكثر وعيا، وألا ينتظروا من يقودهم ويحدد وجهتهم، بل عليهم أن يعملوا ويحددوا الطريق الذي يريدون، ويحددوا وجهتهم بأنفسهم، فالمستقبل مستقبلهم، وهم بُناة الوطن.