لا يمكن فهم ما يحدث في عدن، سوى أنه استدعاء مبكر لخارطة الصراعات التي حُددت ملامحها على أساس الوعي ذاته بالانتماء الجهوي الذي كان قد عصف بالجنوب خلال العقود الماضية من عمر اليمن الحديث وبلغ ذروته في 13 يناير 1986.
فالمواجهات المسلحة التي استيقظ عليها سكانُ عدن، صبيحة الثامن والعشرين من شهر فبراير/ شباط المنصرم، كانت بين وحدات من الحماية الرئاسية وأخرى من الشرطة، حركها الخلاف على قطعة أرض ملحقة بمديرية الأمن.
لكن الأمر لا يخلو من استعراض تجريبي للنفوذ بين المكونات الجنوبية الجهوية التي تتواجد في عدن هذه الأيام تحت عناوين مختلفة، بعضها حراكي والآخر ملتزم خط الشرعية والوحدة.
يمكن لأي لاعب في هذا المسرح المضطرب أن يستدعي الأدوات ذاتها والنوازع المناطقية ذاتها، ويحتفظ بحقه في تحديد الأهداف.. وما يجري في عدن يخدم في النهاية أهدافاً لها علاقة مباشرة بالذين فقدوا السلطة والهيمنة على الجغرافيا اليمنية، وأعني بهم المخلوع صالح والحوثي ومن ورائهم إيران.
سيجادل الحراكيون بأنهم يخوضون معركة استقلال الدولة الجنوبية، وهو جدل عقيم ومدفوع الأجر، لأن هؤلاء لم يحضروا في اللحظة التي كان يتعين عليهم أن يحققوا فيها هذا الحضور لكي ينتزعوا الدولة التي يريدون، عبر معركة حقيقية مع الحوثيين الذين كانوا يدمرون عدن والمدن الجنوبية.
لكن الذي حدث الحوثيين وقوات المخلوع صالح واجهت مقاتلين أشداء، لكن لم تكن لهم أية علاقة أبداً بأجندة الحراك، وهؤلاء المقاتلون الأشداء هم الذين يتعرضون هذه الأيام للقتل غيلة على يد عصابات تحركها أجندات خفية، وتستغل جيداً مناخ الفوضى الذي يسود المحافظات الجنوبية المحررة، بتأثير النشاط المنفلت للحراك والحراكيين.
وهنا أتساءل هل حان الوقت لكي يراجع التحالف العربي مواقفه ويجري عملية تقييم منصفة حيال ما يجري.. وهل كان موفقاً عندما أوقف مدرعاته عند الحدود الشطرية معطياً الانطباع المراوغ بأن تدخله إنما جاء لتحقيق حلم الحراكيين، أو هكذا توهم الحراكيون؟؟.
هناك تسريبات لست متأكداً من صحتها، ولكنني أميل إلى تصديقها وتفيد بأن التحالف بدأ يفقد الثقة تماماً بالحراك الجنوبي، فهذا الحراك لا يملك ما يقدمه للتحالف العربي سوى التعبير عن كراهية مفرطة للإصلاح وللفريق على محسن، ولكل طرف سياسي لا يروق للتحالف العربي أو لأحد أطراف هذا التحالف.
عدا ذلك فإن ما يجري اليوم يمثل دفناً معنوياً للإنجازات التي حققها التحالف والمقاومة في المحافظات الجنوبية وتمثلت في طرد الميلشيا واستعادة المحافظات من قبضتها.
في آخر اجتماع استثنائي عقدته الحكومة برئاسة الرئيس هادي، برز في كلمته ما يشبه الشكوى من أن توجيهاته باستيعاب المقاومة في الجيش لم تلق بعد طريقها إلى التنفيذ.
لست أدري من أي طرف كان يشكو الرئيس، وهل هناك فعلاً من يريد استمرار الفوضى وحالة عدم الاستقرار، عبر إيجاد هذا النوع من الذرائع المؤججة للفوضى والعنف المسلح.
لم أكن أعلم أن المشهد الجنوبي يعاني من هذه الضحالة القيادية ومن غياب الرؤية ومن هذا السوء في التصرف حيال اللحظة التاريخية السانحة.. أسفي الشديد وأي أسف!.