آخر الاخبار

الرئيسيةكتابات هشام المسوريمع انتصارات تعز

هشام المسوري
هشام المسوري
عدد المشاهدات : 5,993   
مع انتصارات تعز


كان الناقدون بدوافعهم المختلفة يتحدثون عن استرخاء تعز، يفسرونها من خارج تفاصيلها، معاناتها، وظروفها، بعيداً عن تحديات مقاومتها واحتياجاتها وطبيعة تحركاتها.
شرحنا وضع تعز بتصوراتنا الذهنية، كانت تأسرنا دوافعنا وحساباتنا ومقايسنا نحن، ولم يكن الكثير منا يحاول الإقتراب من تفاصيل تلك المدينة وريفها وجهود مقاومتها.
نتحدث في غمرة اليأس عن تعز، بينما كانت مقاومتها تخوض معركة من الأهمية بحيث توازي معركتها المباشرة، كانت معركة الإعداد الذاتي المحدود بقدراتها، مستلهمة الأمل الذي تتجلى اليوم نتائجه.
لم يكن ينقص تعز ومقاومتها الإيمان بالقضية والإستعداد للتضحية ودفع الكلفة، لكنها تسير في توازن شعوري وعملي، وتكامل في التصور والسلوك و يقين عالي بضرورة الكفاح في سبيل الكرامة الإنسانية، واعداد للمعركة الحاسمة، ومن ثم الإنطلاق.
واجهت المقاومة تحديات وتفاصيل لم نكن نتصورها.
المقاومة لديها رجال يملكون فائض حماسة للمعارك، غير أن قيادتها تملك أيضًا أحاسيس ومشاعر إنسانية رفيعة تجعلها تحافظ أكبر قدر ممكن على رجالها، على اعتبار أن عوامل التخطيط مع الصبر والإحتمال، تعمل على تحقيق الإنتصار بأقل الخسارات البشرية.
إذا كان الإنسان هو أرخص الأشياء في تصورات وشعور وسلوك قيادة المليشيا الإجرامية، فهو كل شيء، وكرامته الإنسانية أغلى بالنسبة لقيادة المقاومة.. هذا هو الفرق بين المقاومة في سبيل كرامة الإنسان الذي كرمه الله وسخر كل المقومات المادية في الكون والحياة من أجل إنسان كريم، وبين مليشيات تسخر الإنسان وحياته وكرامته من أجل مصالح وامتيازات قيادتها، فحوّلته إلى جثة.
لم يكن الوضع في تعز استرخاء ولا تصالح مع الواقع، وإنما كان تهيؤ لإقتحام الحواجز ودك المتارس ومواجهة الموت في وسط الظهيرة.. كون السباق في تعز ينحصر في هذا الزمن على مدى مقاومة الإنسان.
لم يكن الزمن في تعز محايداً، ولم ينقل الطالب من المدرسة إلى الجامعة، لكنه جعل منه رجلاً كريماً شهماً مقاتلاً شرسًا في أول مواجهة مع العدو الذي دمر المدرسة وأحال الجامعة إلى سجن تُنتهك فيه كرامة المختطف.
يتحرك الطلاب والمهندسون والفلاحون اليوم على شكل انتصار يتجول في شوارع المدينة ويصعد التلال ويمضي نحو استكمال كسر الحصار عن البشر داخل المدينة.
انتصار يستند في بقاءه إلى تفوق أخلاقيات المقاومة وعدالة مشروعها وحاجة ثلاثة مليون إنسان للعيش بلا حصار.
لم يكن انتصار لمجرد الفرح، فهو تدشين لمهام كبيرة شاقة وصعبة وصولاً إلى تحقيق دولة العدالة التي تكون فيها المواطنة هي أساس العلاقة بين المجتمع والدولة، لكنها صعوبات تهون في قناعة المقاومة بالنظر إلى مشروعيتها وارتباطها بروح الإنسان ومشاعر الكرامة وحق الحرية.