[1]
يستحق الرئيس الأسبق/ علي عبد الله صالح أن يحصل على لقب (المنتقم الحقيقي).. فهو قد انتقم من خصومه انتقاما ساحقا.. لكن لا نقصد هنا الانتقام فقط ممن قاموا ضده بثورة فبراير الشعبية؛ بل تحديدا الذين عارضوا حروبه الستة ضد الحوثيين، ورفضوا التحالف معه ؛أو على الأقل السكوت عنها؛ تحت ذريعة أنها حروب غير مفهومة، وغير مبررة، واستخدمت فيها القوة المفرطة، ولا صحة لاتهام الحوثيين بأنهم نسخة إماميه جديدة، وجماعة مذهبية متعصبة!
طريقة الانتقام ربما استوحاها صالح من قصة ذلك القائد العسكري الألماني (بصرف النظر عن كونها حقيقية أو رمزية) مع مجموعتين من الأسرى الروس والسجناء اليهود. فقد أمر اليهود بحفر حفرة كبيرة ثم ألقاهم فيها وطلب من الروس أن يدفنوهم أحياء. لكن هؤلاء رفضوا تنفيذ الأوامر وارتكاب ذلك الفعل الإجرامي الهمجي معرضين أنفسهم للانتقام والموت. وكان رد القائد الالماني على هذا الموقف الإنساني النبيل أن أخرج اليهود من الحفرة ورمى الروس فيها بدلا منهم ، ثم أمر اليهود بدفنهم أحياء فسارعوا دون تردد لإهالة التراب بحماس على الذين وقفوا معهم ورفضوا قتلهم.. وقبيل النهاية المأساوية أوقفت عملية قتل الروس، وأخرجهم القائد الألماني ليقول لهم مؤنبا ومتشفيا وهو يشير لمن تعاطفوا معهم:
- هل عرفتم الآن لماذا حاربناهم؟
من سوء الحظ أن علي صالح كرر فعلة القائد الالماني حرفيا باستثناء الجزء الأخير. فعندما رأى إصرار المعارضة، بمن فيهم الحراك الجنوبي الانفصالي، على التعاطف مع الحوثيين، ورفض محاربتهم والقضاء عليهم، تحالف مع الحوثيين، وسلمهم مقدرات الجيش والأمن وصولا إلى التحالف الحزبي والإعلامي والعسكري معهم، وحصار صنعاء وإسقاطها وحتى إسقاط السلطة في أيديهم نهائيا!
واليوم والمعارضة التي دافعت عن حق الحوثيين في الحياة والعمل السياسي السلمي والتعبير عن الرأي بالاعتصامات والمظاهرات، واعتناق ما تريد من أفكار.. اليوم المعارضة تدفع ثمن مواقفها وتتكرر معها حكاية الأسرى الروس، وها هي تتلقى أكوام التراب تنهال عليها بأيدي الحوثيين، ولا يسلم منها حتى اليسار وخاصة الحزب الاشتراكي الحليف التاريخي للحوثيين منذ الثمانينيات سرا، وعلنا منذ بدء الوحدة.. فها هم المستضعفون المزعومون يعملون على تأسيس حزب يساري جديد من طراز قديم بدلا عن الحزب الطليعي من طراز جديد.. وفي خلاصة ما حدث أن الرئيس الأسبق يقول بلسان الحال لمن عارضوا حروبه ضد الحوثيين:
- هل عرفتم الآن سر الحروب الستة؟ هل فهمتم لماذا حاربناهم؟
[2]
جوهر الموقف الأمريكي المرخرخ تجاه الحوثيين يلخصه ترجمة يمنية لعبارة ( السياسة مصالح دائمة وليست صداقات دائمة):
-الدين لله.. والمصالح للجميع.. واللعن لا يفسد للمصالح قضية!
[3]
مفارقات المصطلحات في الانقلاب الحوثي عديدة يمكن ملاحظة بعضها في التالي:
-فتحت ستار الشراكة والإصرار عليها كلاميا، قتلت الشراكة بين القوى السياسية، وتفرد الحوثيون بالسلطة والقرار!
وتحت ستار رفض الطائفية تتأسس سلطة أبرز ما فيها الطائفية والمذهبية كما تتجلى في السلطة الحاكمة الجديدة: إنسانا، ولهجة، وحيزا جغرافيا، وتاريخا مذهبيا يعود ليفرض نفسه؛ رغم الإكسسوارات التي يقدمها المثقفون لتغطية العيوب الخلقية مثل استدعاء رمزية الحمدي وسالمين وعمر الجاوي وفيصل الشعبي! ورغم وجود بعض المنتمين للطائفة المضطهدة تاريخيا في الاحتفالات فوجودهم الرمزي هو من قبيل: الشذوذ الذي يؤكد القاعدة!
-وتحت ستار المحافظة على الوحدة الوطنية يتم القضاء على ما تبقى منها، وها هي المحافظات تمور بالغضب والرفض لهيمنة حركة طائفية بعد أن تجلى أمام أعين أبنائها ملامح من الماضي الطائفي القديم!
- ومصطلح الثورة نفسه، الذي كان قد استعاد رونقه في الربيع العربي بعد شتاء الثورات الكاذبة، فبعد أن كانت الثورات يقوم بها الشعب ضد الدولة القديمة حدث العكس، وصار الأمر مسخرة حقيقية فلأول مرة يقوم بالثورة القادة العسكريون والأمنيون المتحكمون بالدولة والسياسيون من النظام القديم ضد قوى شعبية وأحزاب سياسية!
[4]
الثورة الحوثية التي بدأت ضد جرعة ستنتهي.. بجرعة ضد الشعب.. ونظرا للخلفية اليسارية لبعض منظريها أتوقع أن الجرعة لن تكون بالضرورة رفعا لأسعار المشتقات النفطية. فقد تتكرر حكاية: تخفيض الرواتب واجب.. واجب علينا واجب بدعوى مواجهة الأزمة الاقتصادية ومكافحة فساد المرتبات الكبيرة! توقعوا قريبا مسيرات يقوم بها الشعب اليمني العظيم يفوض بها القيادة الجديدة بتخفيض الرواتب على طريقة الأيام السبعة.. المشئومة!
[5]
يتسابق البعض من النخبة في الوقت الضائع مشكورين لإدانة جوهر الحركة الحوثية الفكري والسياسي.. وصحيح أن الوصول متأخرا خير من عدم الوصول نهائيا، إلا أن هؤلاء بحاجة إلى جرعة من التواضع لكيلا ينسوا دورهم الانتهازي في تجميل الحركة التي انقلبوا خصوما لها بعد أن شعروا أنهم واقعون تحت المثل الشعبي القائل:
[جاك الموت يا تارك.. الصلاة!].
[6]
بعض الناشطين اليساريين والحراكيين الذين يصرون في كل تصريحاتهم على وصف أفعال الحوثيين الإقصائية الاستحواذية بأنها بزعمهم نسخة من أفعال الإصلاح اليمني والإخوان في مصر.. هؤلاء سيجعلوننا إن استمروا في انتهازيتهم وحقدهم نقول:
-اللهم يا من لا يحب الظلم والجحود سلّط الحوثيين على هذه الطائفة من الناشطين، فلا يؤمنوا بالإنصاف ومعرفة الفضل لأهل الفضل حتى يروا العذاب الأليم على أيدي الحوثيين!
[7]
قد نكتشف قريبا أن القائمين على جائزة نوبل للسلام من المؤمنين الذين يرون بنور الله.. والسبب أنني لطالما استغربت طوال السنوات الماضية عدم منح جمال بن عمر الجائزة مكافأة على جهوده في التوصل للمبادرة الخليجية، وقيام الفترة الانتقالية وصولا إلى مؤتمر الحوار مما ظننا أنه جنب اليمن الحرب الأهلية وجلب بدلا منها السلام والتوافق والحوار!
الآن عرفنا السبب!
[8]
جوهر العلاقة التي ستحكم الأقلية الطائفية الحاكمة اليوم بالأغلبية المحكومة موجود في عبارة (مع الأخ ..جمال) التي قدم بها الخيواني المذيع الذي قرأ البيان؛ فحتى اسمه الكامل لم يكن متوفرا ولا مطلوبا لأداء المهمة المطلوبة منه للتخفيف من الطابع الطائفي/ المناطقي للاحتفال.. فتكفي صورته على أساس: صورتك ولا.. اسمك!
[9]
أسفي عميق على الوالد الدكتور/ عبد العزيز الترب الذي أصر على خاتمة سيئة لحياته العامة بمشاركته مؤتمرات الحوثيين حتى ظهر الجمعة في مقدمة المشاركين في الطابور المدرسي الافتتاحي لزمن الحوثيين!
وحزني كبير على الرجل الذي ظل منذ عرفته عام 1986 بعد نزوحه إلى صنعاء يودني كأب كلما التقينا.. وخاصة بعد وفاة والدي صديقه وشقيقي تلميذه في كلية الاقتصاد!
[10]
بشكل قاطع تأكد لي كملايين من اليمنيين أننا لسنا يمنيين، ولا جزءا من الشعب اليمني العظيم، ونحن نستمع لإعلام الحوثيين يتكلم بإصرار حاسم باسم جميع وكل اليمنيين زاعما أنهم مؤيدون لكل الخطوات التي يتخذونها!
هل يكفي ذلك حيثيات للحصول على جنسية دولة أخرى ولو من بوابة الأمم المتحدة؟