لم يتردد العم عبده عن فتح بيته لقيادة المقاومة بعد اقتراب الحوثيين وسيطرتهم على بيت عبدالصمد لقربها وموقعها الجيد، وبنفسه أدخل القائد نبيل ليعرض عليه اتخاذ بيته موقعا مؤقتا لقيادة المعركة، أدخلهم وعاش هو في المطبخ بينما غنماته في الحوش، فهو يعيش مع المقاومة لحظة بلحظة.
في اليوم الثاني، أضاع المسؤولون عن البيت المفتاح وكانو بحاجة إلى إخراج الذخيرة بشكل سريع، فالمعركة قائمة ووجدهم عم عبده يحاولون (نشر) القفل، لكن هذا العمل لم يعجبه أخذ (الصبرة) العتلة الحديد من الحوش وحضر ليقلع الباب وليس القفل قائلا: الوقت لا يسمح بالتأخير
أربعون يوما وجماعة الحوثي والمخلوع مسيطرون على الجهة الشمالية من الجبل، كانت نقطة التماس والموقع الخطير عمارة عبد الصمد بموقعها الذي يمكنهم من حصار المقاومة وقطع الطريق وقنص المقاومين والمدنيين في الجبل إلى وادي القاضي الأسفل.
لم يقعد المقاومون ينتظرون فلقد حاولوا الهجوم أكثر من عشرين هجوما، كانت المعارك مباشرة حتى جاءت يوم العزم، قرر الشباب أن ينهوا هذا الخطر مهما كانت النتيجة، وكان على رأس هؤلاء صبري وشداد وصلاح ورشاد وفؤاد والمقرمي وآخرون بجانب القيادة المتوثبة.
بدأت المعركة في العاشر من يوليو 2015؛ كانت معركة تشيب لها رؤوس الأطفال وتصفر منها عين الشمس، كانت اشتباك وجها لوجه ومن المسافة صفر، سقط الشهيد خلدون المقرمي بعد يوم من بدء المعركة.
كانت هذه البيت هي المقدمة التي أعد فيها الحوثيون كل وسائل الدفاع ومقاتلين مستميتين،
عندما استعصت لم يفكر أحد بالراحة أو إنهاء المعركة رغم مرور أيام من المعارك الملتهبة؛ قرر (شداد) أن يضع منفذا في السور، كان فتح السور هي النقطة أو العقدة التي ستسقط المعقل فهجم وهو يحمل متفجرات إلى جنب السور واستطاع زراعة المتفجرات بفدائية مدهشة وتحت مطر من نار، فجر السور وكان هذا التفجير هو العقدة التي فتحت السد وحققت الانتصارات المتتالية حتى الوصول إلى منطقة الزنوج.
دخل شداد وزميلاه العمارة بعد أن اسقطاء ثلاثة من القناصة، كانت العمارة موقعا عسكريا محصن وكانوا يعدوا الدخول إليه من المستحيل.
يقول القائد نبيل: كان شداد بطل هذه المعركة واصفا إياه بأنه كان كتلة من النشاط وسيفا حارقا من الشجاعة والإقدام وخدمة زملائه، كان شخصا استثنائيا، والانتصارات تحتاج إلى شخصيات استثناية؛ تبعه ثلاثة من زملائه وبقي الآخرون يديرون المعركة خارج السور يواجهون مسلحين في السطح والغرف.
شجاعة شداد وزملائه الاقتحامية أفزعت المسلحين وأصابتهم بالرعب.
بدأ كل واحد منهم ينسحب أو يفر أو يقفز من السقف أو يسقط صريعا؛ بعد ثلاثة أيام انتهت المعركة وكسرت عقدة عمارة عبد الصمد وانفرط العقد وطارد الشباب المسلحين ليحرروا المناطق والحارات التالية وصولا إلى بيت النهاري والزنوج حتى مدرسة عبد الله بن المبارك.
يقول والد شداد، إن ابنه ولد في 1996م ورغم صغر سنه كان من أوئل من خرجوا في ثورة 11 فبراير وتواجد في كل المسيرات وجرح أكثر من مرة، كان يخرج من المستشفى إلى المظاهرات التي كانت قائمة حينها كثورة شعب.
لقد أنجز النصر، لكن الانتصارات لها ثمن وفي هذه المرة سقط شداد البطل وصاحب الروح الوثابة شهيدا، ومعه إخوان له هم حكايات من الطهر والبطولة، استشهد صلاح ورشاد وفؤاد الشعوري من إب في المعركة وجرح أكثر من 47 مقاوما.
اقترب العم عبده من منطقة المعركة كعادته ووجد الناس يتحدثون عن هول المعركة وعن الأبطال الذين كسروا المستحيل، كان اسم شداد يتردد؟ لقد استشهد شداد إذا. قال العم عبده كلمته المعبرة.
وا قهري عليك وا شداد وا قهري على الأبطال، لكن مه هذه هي حياة المجد. يحدث من حوله!
في المستشفى يقف والد شداد أمام ولده ذي الثامنة عشرة ربيعا وهو جثة باسمة مثل القمر، كان القائد نبيل يخاف من هذه اللحظة، لحظة مقابلة والد شداد، وعندما نظر والد شداد إلى القائد احتضنه مستبشرا وهو يقول: كيف رأيت شداد يا أستاذ؟ هل يستحق الشهادة عن جدارة؟
-- عظم الله أجرك.. شداد بطل وقائد.. عصم الله قلبك.
_ يا أستاذ أنا متوقع استشهاد شداد في كل لحظة خاصة في أيامه الأخيرة، لقد ودعنا وودع أمه بشكل ملفت كأنه مسافر يشد حقائبه إلى مكان بعيد.
ويضيف والد شداد: لو لم يكن لي من الدنيا غير شداد لكفاني شرفا وذخرا!
_ أنا الذي سأفتقد شداد.. ادعي لي.
_ كان شداد يعتبرك أخوه وقائده، كان يحدثني عنك كثيرا يا نبيل.
في اليوم التالي حضر والد شداد إلى الجبل يحمس المقاومين ويؤكد لهم أنه سيرسل إخوان شداد اليهم ليحلوا محل شداد على درب الشهداء.. كان شداد الذي ينتمي للاقروض مديرية المسراخ من الحاضنة الشعبية لجبل جرة، فهو من سكان الزنوج بالقرب من مدرسة عبدالله بن مبارك حيث بنى والده منزله هناك.
إنها طريق متصلة ومشرقة بنور التضحيات، حتى النصر يحدث والد شداد زملاء الشهيد فينفخ فيهم روحا لاتنطفئ.
كان يوما عصيبا على المقاومة وهم يودعون خيرة شبابهم، وكان العم عبده أكثر حزنا وهو يعرف جيدا الشهداء ولكل واحد معه قصة.
أخذ عصاه متثاقلا وكأن على ظهره أحمال الدنيا وأحزانها !!
في الطريق يقابله عبدالرحيم الذي يسأله: مالك يا عم عبد اليوم تعبان والا إيش؟
إيش من تعب؟ صلاح و رشاد وشداد وخلدون نفقدهم بيومين، هؤلاء أبطال، جيش كامل مش أفراد، والله إني مفكود يا عبد الرحيم.
كان عم عبده قد سأل عن صاحبه صبري بعد المعركة لم يجده بين الشهداء ولا بين الجرحى، كان يحدث نفسه إن صبري سيزوره الليلة ليخفف من أحزانه على الشهداء، ويخبره عن الانتصارات وحكاية الأبطال وكيف فرت مجاميع القتلة.
عندما وصل إلى البيت كان شديد الانهاك إلى درجة أن أحمد صاحب صبري الذي كان منتظره أمام المنزل قد أسرع لمساعدته في الدخول سلامات عم عبده.
و لا حاجة أنا بخير يا أحمد بخير.
و جلس أمام الباب.. كيف حالك؟ وين صبري؟
_ صبري بخير.
_ اعلم إنه بخير.
_ يبلغك السلام.
_ يبلغنا السلام يعني إنه ما شيجيش عندي صبري نسانا يا أحمد.
_ لا والله يذكرك دائما.
وينه.
_ هو ضمن من كلفوا في التقدم لترتيب الصفوف الأمامية، مو تشتي الحوثيين يرجعوا مرة ثاني؟
لا لا والله ما يرجعوا قا دفعنا قلوبنا.. بس والله مشتاق لصبري!
-- حتى هو مشتاق ومشتاق يشتي يعرف الحكاية،
هو بس يجي وأنا قا وعدته شاخبره بكل شيء.
الله يحفظه ويحفظكم، كلكم. شكلي أنا شاروح لا عنده، بالله يا أحمد تشوف يوم نروح نزوره بالجبهة أنا أشتي أزورهم في خطوط النار.. آه على خط النار مكان الرجولة ومنبع الكرامة.
يتبع..