ليس بعد ما قاله أمير دولة الكويت في قمة نواكشوط، بشأن فشل المشاورات اليمنية، من قول، ولا شيء يدعو إلى التفاؤل بشأن إمكانية نجاح الحل السلمي للأزمة اليمنية، وليس بعد ثقل الحكومة الكويتية من ثقل يمكن الرهان عليه لإقناع طرفي الأزمة: الحكومة والانقلابيين باجتراح حل لأزمة تزداد تعقيداً.
مارست الكويت وهي جزء من التحالف العربي ضبط نفس نادر وقدمت نفسها راعياً منصفاً ونزيهاً وتعاملت مع وفدي المشاورات بنفس القدر من الاهتمام والبروتوكول.
لكن الانقلابيين تعاملوا للأسف مع الكويت باعتبارهاساحة تدريب لبناء المهارات الدبلوماسية وتنفيذ حملة علاقات عامة لغسل سمعتهم السوداء، ولممارسة الابتزاز مع دول التحالف وقائدته على وجه الخصوص المملكة العربية السعودية.
لا شيء يمكن أن يحمل الانقلابيين على الذهاب إلى اتفاق سلام، يجردهم من المكاسب السلطوية التي تحققت لهم بواسطة القوة العسكرية، سوى القوة العسكرية نفسها، وهي متوفرة في الأرض وفي الجو، ومتوفرة في الإرادة الصلبة لدى الغالبية العظمى من أبناء الشعب اليمني.
تجددت المواجهات العسكرية وتطور إيقاعها وازداد عنفاً وخصوصاً على الحدود، في توجه انتحاري ينظر إليه الانقلابيون على أنه الوسيلة الوحيدة لتذكير التحالف بأن العصابة التي تحكم صنعاء لن تتنازل عن المكاسب التي حققتها بسهولة ولن تقبل إلا بالسلام الذي تفرض شروطه هي وليس الحكومة أو التحالف.
تبدي العصابة الحاكمة في صنعاء هذا القدر من الإصرار لإدراكها أنه بالإمكان تحويل اليمن إلى ساحة أخرى لاستثمار الإرادات الدولية والإقليمية المتضادة، وتحويلها إلى ورقة بيد هذا اللاعب أو ذاك.
من بين أسوأ خيارات الانقلابيين هو إطالة أمد الحرب والاقتتال وتحويلها إلى حرب استنزاف طويلة الأمد ستنتهي بحسب ما يخططون إلى النهاية التي يريدون هم وليس الآخرون.
السيناريوهات التي يرسمها الانقلابيون سيئة ولا تعكس رغبة حقيقية لديهم في السلام الذي يقوم على أسس متينة ويفضي إلى دولة قوية وديمقراطية وإلى مواطنة حقيقية وعيش مشترك.
هذه العربدة التي يظهرها الانقلابيون في صنعاء، سببها أن المجتمع الدولي، رغم اتفاقه على ضرورة تحقيق السلام في اليمن، إلا أنه يعمل جاهداً للحيلولة دون تنفيذ قرارات الشرعية الدولية التي تمثل مدخلاً مهماً لتحقيق السلام المنشود.
ليس هناك شك في أن بعض الأطراف الدولية المهمة تضمر نوايا سيئة تجاه ترتيبات السلام المعلنة، وتحول دون تعرض الانقلابيين لهزيمة عسكرية تخرجهم من المشهد السياسي، لاعتقادها أن ذلك سيعزز فرص الجماعات الإرهابية وهو استنتاج خائب وكاذب، ويجافي الحقيقة تماماً، في ظل العلاقة التي باتت مفضوحة بين الجماعات الإرهابية والانقلابيين.
ومع ذلك يمكن البناء على مقررات اجتماع لندن الرباعي في تعزيز فرص الحل السياسي على قاعدة الانسحاب وتسليم السلاح وإنهاء آثار الانقلاب، وهذا سيتم إذا أظهر التحالف العربي نفسه نية حقيقية في فرض في فرض خيار الحل السياسي السلمي المستدام، واستثمر نقاط القوة الكثيرة التي بحوزته.
لكن هذا يقتضي إعادة النظر في أداء التحالف وفي سياساته وفي بعض قناعاته السياسية التي تُعقِّدُ المشهد وتثبِّطُ الهمم، وتفتُّ في عزم الرجال المرابطين في الجبهات..
إننا امام تطورات عسكرية في غاية الخطورة، تضع التحالف قبل اليمنيين أمام اختبار صعب، وتستدعي أولاً تدارك ما دمرته السياسات الخاطئة في المناطق المحررة، والعمل السريع على بناء الثقة مع الجبهة العريضة المناوئة للانقلابيين.