آخر الاخبار

الرئيسيةكتابات احمد عبدالملك المقرميالهوية حصن الشعوب

احمد عبدالملك المقرمي
احمد عبدالملك المقرمي
عدد المشاهدات : 8,317   
الهوية حصن الشعوب


لا إنسان يمشي على وجه الأرض بلا اسم، ولا شعب من الشعوب إلا وله كذلك الاسم المحصور عليه، و لا بلد مهما كانت مساحته صغيرة إلا ويحمل اسما، وكذا البحار و المحيطات و الأنهار و الجزر، وحتى الدواب و الكلاب... لها اسماؤها التي تخصها و تميزها.

لك أن تقول: و ما الجديد فيما ذكرت. هذه بدهية من البدهيات ! نعم، هي بدهية و أمر لازم و ضروري ولا يستغنى عنه، و لكن يحدث أن يتخلى شخص عن البطولة فيصبح جبانا، أو يتخلى عن مواقفه ليغدو إمّعة، أو الصدارة ليصير ذيلا !

الاسم الذي يحمله شخص ما هو تعريف له، وهو عنوان به يتميز و به يعرف، و من غير الممكن أن يمشي بين الناس ويمارس شؤون حياته، ويقضي أموره في كل مجالات الحياة بدون هذا الاسم والعنوان، و إلا كان نسيا منسيا، وهملا مضاعا، فالحقوق الخاصة به ، و المصالح التي لابد له منها إنما تُحفظ و تُنسب و تَرتبط بمسمى معروف و محدّد بين الناس.

و أي أمة من الأمم أو شعب من الشعوب لا بد من أن يكون له اسمه الذي يتفرد به، وتكون له هويته التي يتميز بها .

في مجال المطعومات - مثلا - يقال : خبز بر، أو ذرة، أو شعير، أو دخن ... فإذا جمع منها جميعا صار بلا هوية محددة . و لا اسما مخصصا، فتضيع خصوصيته، و لذا أطلقوا عليه(كُدمة)! ما الكدمة؟ مسمى لهوية مائعة . صحيح لها إسم لكن بلا كُنْهٍ تعتز به، و لا كيان مستقل، فهي بلا سيادة - إن صح التعبير - بل هجين.

هوية الشخص أو الشعب أو الأمة؛ ضرورة حياتية حتمية لا غنى عنها. و الميوعة فيها أو الغفلة، عنها، أو التفلت منها، أو إهمالها، هو ضياع للخصوصية، و فقدان للكيان المستقل، و السيادة الحتمية التي لابد منها، و الكينونة التي يتميز بها، و كان (كُدمة) !!

إن أمة بلا هوية هي أمة مائعة سائبة، و إن شعبا بلا هوية هو شعب ذيلي غير ذي قيمة وبلا كينونة.

إن ما يحفظ أي أمة من الأمم أو شعب من الشعوب أو مجتمع من المجتمعات إنما هو الحفاظ والاعتزاز و التمسك الصارم بهويته .فالهوية خصائص و سمات، عقيدية و فكرية و ثقافية تتميز بها الأمم و الشعوب، يتعزز بها روح الانتماء ، و عمق حضاري و سيادي، يحفظ وجود الأمة من أن تتخطفها مخالب الأعداء، أو تعبث بها الأهواء .

إن الهوية حصن الحصون لأي شعب أو مجتمع، و من يسلك مسلك الغراب الذي أراد أن يتخلى عن مشيته و يتعلم مشية الحمام، فاذا النتيجة أنه لم يحسنها فصار مسخرة امام الآخرين، و لما أراد أن يعود إلى مشيته السابقة كان قد نسيها، فلا ذا تأتّى و لا ذا حصل :

 

و ما ضِعت بين الشرق و الغرب مشية

كما قيل في الأمثال حجل غراب