آخر الاخبار

الرئيسيةكتابات خالد العلوانيثورة 11 فبراير.. صناعة من؟

خالد العلواني
خالد العلواني
عدد المشاهدات : 6,592   
ثورة 11 فبراير.. صناعة من؟

الثورة محصلة انفجارية لتراكمات طويلة من النقمة الشعبية على سياسات النظام الحاكم، وهي مخرج جماهيري غاضب لمدخلات: الظلم، والاستبداد، والفساد، والمحسوبية، والفقر، وغياب فرص التجاوب مع روح العصر بالطرق والآليات الديمقراطية الآمنة.

وبعبارة أخرى الثورة ليست فعلا مرتبا وفقا لرؤية شخص أو حزب، أو فئة اجتماعية، بل هي انفجار عام يأتي فجأة حين تسد كل منافذ الاصلاح، وتغيب كل معاني العدالة الاجتماعية.

يقول المؤرخ الفرنسي الشهير توكوفيل: "إن أخطر أسباب الثورة هي برامج الإصلاح المتوقفة أو المتعثرة." هذا في حال كان هناك برامج إصلاح في الأساس، وتوكوفيل إذ يقرر هذه القاعدة فإنه يحمل الأنظمة المستبدة مسئولية اندلاع الثورة، ويرى أن برامج الإصلاح الجادة والمستمرة والمواكبة لتطلعات الجماهير هي أفضل وسيلة لانتزاع صاعق الثورة، وتجنيب البلدان مخاض التحولات الشاقة.

وتأسيسا على ما سلف يمكن القول إن تكلس نظام صالح، وانكماشه على ذاته الأسرية، وإفراغ المؤسسات من محتواها، وإحباط كل محاولات التغيير المنشود عبر الأطر الديمقراطية الحضارية، كل ذلك وغيره من المعطيات كانت السبب وراء اشتعال فتيل الثورة الشعبية السلمية، التي لا تزال موجاتها مستمرة في المد صوب تحقيق الأهداف على الرغم مما طالها من قولبة، وتشويه، ومحاولات احتواء.

وإذا كان البعض يعتب على ثورة الـ 11 من فبراير أنها لم تستطع التأسيس لنظامها السياسي الخاص، مراعاة لملابسات الواقع المحلي، والإقليمي، فلهم مندوحة فيما ذهبوا إليه، وعليهم في المقابل أن ينظروا إلى جوانبها المشرقة، حيث نجحت في تعزيز ثقة اليمني بشخصيته، وإدراكه لأهميته، ومحورية دوره في صناعة التغيير ورسم ملامح أنصع ثورة وطنية شاملة على صعيد الوعي، والفكر، والمدنية، والقيم، والعادات، والتقاليد، كما نجحت بالقدر ذاته في تحديد معالم العلاقة السوية بين الحاكم والشعب، وأسست مداميك البناء لليمن الجديد، وطوت صفحة الثارات السياسية، حيث تعايش أبناء القبائل المتحاربة تحت سقف خيمة واحدة.

وفي غمرت الجدل الدائر اليوم حول ثورة الحادي عشر من فبراير يحسن بنا التوقف أمام جملة النقاط التالية:

- التغيير سنة ماضية، وحين يتعامى الحاكم عن مطالب الجماهير، وأشواقها فإنه يدفع الشعب دفعا نحو الثورة عليه.

- "لا شيء يفشل مثل النجاح" فالاسلوب الذي نجح بالأمس في تخدير الجماهير وتعشيمهم في التحسن لن ينجح اليوم، حتى بدلة العرس التي لبستها قبل سنوات على جمالها لم تعد تليق بك الآن، فكل شيء يتغير بشكل مطرد.

-مشروع التوريث في النظام الجمهوري جريمة كافية للثورة الشعبية على الحاكم، هذا فضلا عن الفساد المؤسسي، والقيمي، والانحباس الحضاري، ومن لم يستفزه مشروع التوريث الجمهوري، فهو إما جاهل أوضمن شبكة المصالح المحرمة التي كانت تقتات من دماء الشعب وأعصابه.

- يمكن تفهم حنق وحقد طغمة النظام السابق ومجاهرتها بالعداء للثورة الشعبية ولرموزها، لكن ما لا يمكن تفهمه هو أن يقف بعض المسحوقين في صف الجلاد وينساقون خلف عواطفهم كحصان أعمى، دون نظر في أسباب الثورة، وملابساتها، واهدافها، وما أفضت إليه من مخرجات عبر الحوار الوطني. وكيف حفظت للأخرين حقهم في الشراكة وتسيير دفة الحياة.

- يلجأ البعض للتدليس المقيت فيحمّل ثورة الشعب النقية وزر، وآثام، وجرائم الثورة المضادة، وتداعيات الانقلاب الحوثي الكارثية في مختلف المجالات، فيساهم بذلك في التستر على المجرم الحقيقي، وإطالة أمد المعاناة والنزيف الوطني.

-سقوط النظام المستبد لا يعني التحول الفوري الى دولة مدنية ديمقراطية عادلة، بل هو مجرد بداية لسلسلة عمليات طويلة وواعية في البناء المؤسسي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، والتربوي، وهي عملية لا تسير في فراغ بل تتم في ظل مغالبة للتركة الثقافية والبنيوية، التي نحتها النظام السابق في منظومة اللاوعي وعادات الناس وسلوكياتهم.

-الانتقال من الثورة إلى الدولة استحقاق مسئول يتطلب سريان مبدأ الشراكة الوطنية، وتأهيل الأحزاب، والقوى السياسية، والمكونات الاجتماعية، لترجمة أهداف الثورة، ومطالب الناس وتطلعاتهم المشروعة.

- الفصل بين سلطات الدولة وتعزيز حضور منظمات المجتمع المدني، وحرية الصحافة والتعبير، وسلطة الرأي العام، أنجع لقاحات ضد عودة الاستبداد تحت أي لافتة ومسمى كان.

-الأولوية اليوم يحب أن تتمحور حول الخروج من حالة التيه التي تعقب كل عملية ثورية، ومفتتح ذلك هو توحد الصف الجمهوري في مجابة مشروع الكهنوت الجديد، وإيقاف تداعيات التسلط المليشياوي، وتفعيل مؤسسات الدولة وكبح جماح التشوهات في النسيج الاجتماعي والتشظي في الكيان الوطني.