لم يُعامل رئيس يمني قط بمثل ما عومل به الرئيس هادي من قبل جماعة الحوثي التي نفذت انقلابا مسلحا للإطاحة به وبالشرعية والعملية السياسية التي يراد توجيهها لشرعنة الانقلاب ونسف الاتفاقات وخلق بيئة ملائمة لتكريس سلطة مليشيا مغتصبة للحكم. وقد استطاع الرئيس هادي كسر الحصار والإفلات من قبضة المليشيا واستعاد شرعيته التي أراد الانقلابيون محوها واستبدالها بقوة الأمر الواقع.
اليوم وبعد عودة رئيس الجمهورية لمزاولة صلاحياته من عدن لم يعد ثمة شرعية يمكن الاعتراف بها عدا شرعيته التي جاءت عبر المبادرة الخليجية التي ما تزال تمثُل المرجعية الأولى للمرحلة الانتقالية وخارطة الطريق لنقل السلطة إلى الشعب كأحد ثمار ثورة 11 فبراير 2011 التي يجري الالتفاف عليها عبر انقلاب تحالفات الثورة المضادة التي أرادت ان تحل محل كل الشرعيات الشعبية والتوافقية، وهو ما يرفضه الشعب اليمني وكل قواه الوطنية ويلقى كذلك الرفض ذاته إقليميا ودوليا.
دخل الحوثيون الحوار وعينهم على السلطة غير معترفين بالمبادرة الخليجية، وحين انفض الحوار قالوا بأن مخرجاته أسقطت المبادرة وحلت مكانها، لكنهم سرعان ما تخلوا عن مخرجات الحوار وأسقطوها بانقلابهم العسكري واجتياحهم العاصمة صنعاء وتغطية انقلابهم باتفاق السلم والشراكة الموقع في 21 سبتمبر 2014، ولم يلبثوا طويلا حتى نقضوا اتفاق السلم عبر ما أسموه الاعلان الدستوري الذي اطلقوه عقب اقتحامهم دار الرئاسة ومنزل الرئيس هادي في 20 يناير 2015، وهكذا فقد عمد الحوثيون- ضمن سياسة معدّة سلفا- إلى سوق البلد والحياة السياسية من مرحلة إلى أخرى بغية تهيئة الأجواء لإحكام قبضتهم على الوضع السياسي والعسكري ووضع يدهم على مقاليد الحكم والاستفراد بالسلطة.
وفي كل الأحوال، سيظل الاصلاح متمسكا بالشرعية السياسية التوافقية كخيار وحيد لمواجهة أزمة انهيار الدولة وتعطيل مؤسساتها، فبدون الشرعية المتمثلة برئيس الجمهورية لا يمكن ضمان عدم انفراط الدولة، فالمليشيا وجماعات العنف ليست بديلا عن الدولة ومؤسساتها، والانقلاب لا يؤسس لشرعية من أي نوع مهما تمسّح بالثورية أو بدا متحكما بأدوات الدولة وأجهزتها.
على أن محاولات إرهاب الخصوم والإمعان في التضييق عليهم واختطافهم وقمع احتجاجاتهم السلمية والتنكيل بهم والتهديد بحل أحزابهم والتلويح بالمحاكمات للمناوئين وتكريس وضع أقرب إلى حالة الطوارئ لتمرير الانقلاب عنوة وإرغام الناس على قبوله والتعاطي معه كأمر واقع، كل ذلك لن يجدي نفعا بقدر ما سيفاقم أزمة الانقلابيين ويجعلهم في مواجهة مع الشعب ويزيد من عزلتهم السياسية.
إن الشرعية
التي نحن بصددها والتي يتمتع بها الأخ رئيس الجمهورية لا يمكن لأحد تجاوزها أو الطعن فيها لما تحظا به من تأييد في الداخل والخارج على حدٍ سواء، وهي شرعية تعاضدها المبادرة وقرارات مجلس الأمن الدولي ويسندها الإقليم الذي لا يرى عنها بديلا، والزعم بأن شرعية الرئيس هادي سقطت لمغادرته صنعاء هو نوع من الشطط والرعونة، والأقبح منه ما ذهب إليه الانقلابيون من أن هادي بات يتزعم خلايا القاعدة في اليمن، فيما هو عند بعضهم ليس أكثر من رئيس للجان الشعبية في عدن!!
التمسك بشرعية الرئيس هادي باتت ضرورة ملحة لكسر العزلة الدولية والإقليمية التي أمست تحاصر اليمن وتهدد مستقبله السياسي وتنذر بوضع اقتصادي كارثي، وهي ضرورة كذلك لاستكمال تنفيذ المبادرة ومخرجات الحوار الوطني بما فيها إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية وإقرار مسودة الدستور الجديد والانتقال إلى الدولة الاتحادية، وكل ذلك لا يمكن المضي فيه تحت سلطة مغتصبة أو تحت هيمنة طرف معين أو جماعة مسلحة إذ لا بد من توافق سياسي لإخراج البلد من محنته وهو ما لن يتحقق بمعزل عن شرعية الرئيس هادي الذي يمثل- شأنا أم أبينا- أساس ذلك التوافق الذي لا غنى عنه في الوقت الراهن.
- إفتتاحية الإصلاح نت