في اليوم العالمي للطفل.. 10 ملايين طفل يمني بحاجة إلى المساعدة توصية بإنهاء الازدواج الوظيفي وإعادة تقييم الحد الأدنى للرواتب دعم بريطاني جديد لقوات خفر السواحل اليمنية والرئاسي يشيد أحزاب شبوة تندد بقمع الفعاليات السلمية وتطالب باحترام حرية الرأي نيوزيلندا تصنف مليشيا الحوثي منظمة إرهابية الرابع خلال عام.. فيتو أمريكي لدعم حرب الإبادة في غزة السفير السعودي: المملكة شريك فاعل مع الأشقاء في اليمن وستستمر بأداء واجبها الأخوي هيئة رئاسة مجلس النواب تناقش الترتيبات اللازمة لاستئناف انعقاد جلسات المجلس جهل فاضح واستغفال للرأي العام.. البنك المركزي يستهجن مزاعم تهريب أموال إلى الخارج معسكر خارجي للمنتخب الوطني استعدادا لبطولة خليجي 26
هناك تعريف لابن القيم للإخلاص يرى فيه "أن يستوي لديك المدح والذم".
لطالما استوقفني هذا المفهوم وأنا أقرأ وأبحث عن "الوجود المحض" أي الوجود المنبثق من داخل الذات لا من خارجها إذ يصير كل ما هو خارجي امتدادا لهذا الوجود المحض وتجليا له على نحو ما.
أي أن نكف عن تسول ذواتنا وحضورنا ووجودنا من خارجنا ومن عيون الآخرين، وأن لا يظل وجودنا مشروطا باعترافهم وبطبيعة نظرتهم إلينا.
ومن هنا بدأت أتفهم معنى أن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، وتلحظ هنا ذات الإحالة الأولية على الداخل في نشدان التغيير لكل ما هو خارجنا.
وكما أن الوجود انبثاق من داخل النفس على نحو حاسم، نقف هنا إزاء مفهومي الظاهر والباطن، إذ يبدو كفاحنا منصبا لإيجاد ذلك القدر من الاتساق والتناغم بين ما نخفيه ونعلنه وهو ما يوصلنا إلى حال من السوية والصدق المفصح عن نفسه بتلقائية وبدون تقصد وبدون الحاجة إلى تفتيش، إذ "كل صدق يسأل عنه لا يعول عليه" بحسب ابن عربي.
وحين نخفق في إيجاد هذا التناغم والاتساق يحدث التشوش والاضطراب ويحصل الارتباك الذي يخلق ما يقابله على صعيد رؤية الآخرين لما نحن عليه، حيث يمكن السقوط في حالات من التناقض والازدواجية والفصام المرضي والنفاق وسوى ذلك من الأدواء والتشوهات.
مطلوب منا أن نكون نحن، ولا شي أكثر، وأن نعرف أنفسنا قبل كل شيء، ومعرفة الذات أول الطريق لمعرفة الله.
إن ما نراه فينا هو الأهم، لا ما يراه الآخرون، إذ في وسعنا أن نلون الصورة والتصور لديهم دون أن يعني ذلك أن ما يصلهم يمثل حقيقتنا الفعلية.
أتذكر بيتا في أحياء علوم الدين يرد ضمن سياق الحديث عن السماع عند الصوفية جاء على لسان جارية: إلى متى تتلون غير هذابك أحسن.
وأتذكر أني اشتغلت عليه في نص يستبطن ذلك المعنى العميق، ما زال في ذاكرتي منه شذرات:
كل خاف منك معلن
"فإلام تتلون
غير هذا بك أحسن"
أنت ما تخفي وتضمر
لست ما تبدي وتظهر
....
من عيون الناس تخشى
فتواري كل فحشا
وعن الستار تعشى
جاعلا إياه أهون
وهو نص كان العزيز أمين حاميم، قد شرع في تلحينه منذ زمن بعيد، ويبدو أنه ما يزال مشروعا مؤجلا لديه.
ما أود أن اخلص إليه: هو أننا حين نشتغل على ذواتنا مجاهدة ومغالبة وتهذيبا وتشذيبا وعناية وتعهدا وتربية وتزكية ونشدانا للسوية، نكف عن القلق من رأي الغير فينا ومن رؤيته لنا، لأننا نعرف من نكون، ولأن رؤيتنا لأنفسنا قد صارت واضحة إلى حد يكفي لكي يرانا الآخرون على ما نحن عليه بلا رتوش ولا زوائد ولا مساحيق.
وهنا نكف عن بذل أية جهود مبالغ فيها لاستدعاء محبة الآخرين وإستلفاتهم واستثارة إعجابهم أو الاستغراق في تقديم أية ارضاءات مستحيلة مقابل نشدان الاعتراف منهم بأي مزية لنا أو فضل، وهي حالة عبر عنها الشاعر القديم بقوله:
إذا رضيت عني كرام عشيرتي
فما زال غضبانا علي لئامها
وهو ما يعني مراعاتنا الوقوف في قلب المعنى والقيمة وعيش المثال والحرص على أن نكون نحن بصدق بحيث يرانا الناس بجلاء، حين نكف عن النظر إليهم في رؤيتنا لأنفسنا، ولما نحن عليه.
الذات الحرة الغنية الممتلئة لا تحتاج لأن تتسول الآخرين الاعتراف أو المديح والإطراء، ولا تهتز لأي انتقاد، ولا تأسرها الشهرة الفقيرة وهي تغيب لنحضر ولا تتهافت على الحضور الزائف، الذي قد يعنى منتهى الغياب.