آخر الاخبار

الرئيسيةكتابات عبدالله اسماعيلالسلاح الأخطر.. خطيئة المقارنة

عبدالله اسماعيل
عبدالله اسماعيل
عدد المشاهدات : 1,546   
السلاح الأخطر.. خطيئة المقارنة

يقع البعض في فخ المقارنة الساذجة بين الحياة تحت سيطرة ميليشيا عنصرية، والحياة في ظل دولة حتى في حدها الأدنى، هذه المقارنة قد تكون مقبولة من مواطن عادي، لكنها كارثية وخلل مدمر عندما تصدر من مسؤول حكومي، أو مثقف أو صحفي.

وفي البداية، لا بد من الإشارة إلى أن صنعاء العاصمة وفيها هياكل وبنية الدولة المتراكمة على مدى عقود، وهذه الهياكل والمؤسسات التي ما انفك الحوثي تدميراً ونهباً لها، هي الأساس في بعض المظاهر التي يروج الحوثي كما لو أنها منجزات تتعلق بسلطة عصابة. أما في المناطق المحررة فهي أساساً بنية ثانوية تعمل من الصفر وفق إمكانيات محدودة، لا تقبل المقارنة.

لا شك أن مناطق الشرعية تعاني حالة من الاختلالات البنيوية، وضعف الخدمات، مع تفاوت ذلك من منطقة لأخرى، كما تضغط على سكانها تداعيات التضخم، وضعف العملة والإيرادات، وتعاني هذه المناطق كغيرها من آثار الحرب، وتراجع الاستثمار.

تلك المشاكل هي معاناة مشتركة، تحجب نتائجها السلبية وحجمها في مناطق الاحتلال الحوثي، قبضة أمنية قمعية، وإعلام ملشوي بصوت واحد، وتجريم لأي تحرك شعبي، أو اعتراض جمعي أو فردي، وصل إلى حد اتهام المعترضين بالخيانة والعمالة والنفاق والطابور الخامس، كما واجهت الجماعة المطالبين برواتبهم، بالتهجم والفصل من وظائفهم، والاتهام المباشر بدعم ما يسمونه بالعدوان.

أما ما يتعلق بالعملة، فاختلاف السعر في مناطق الاحتلال الحوثي، لا يتعلق بمعطيات اقتصادية حقيقية، بل ناتج عن سياسة السيطرة والتحكم، وطبيعة حكم الجماعات الإرهابية المتشددة، ولا يتناسب مع السعر العادل للريال الذي يقدره البنك الدولي بقيمته الحالية في المناطق المحررة.

لنتحدث تاليا عما يجعل هذه المقارنة لا تجوز ولا تصح، ويجعلها في خانة الشائعة الحوثية بالغة الخطورة والتدليس، وللأسف يقع في فخ ترديدها البعض بسذاجة، أو بقصد بهدف نشر الإحباط، وتجميل وجه الحوثية السلالية القبيح شكلا ومضمونا.

في الملف الأمني تبرز أسوأ أوجه هذه المقارنة الساذجة، ففي حين تعيش المناطق المحررة في أغلبها، حالة أمنية جيدة، إلا انه يتم التضخيم المتعمد لحوادث نادرة ومتباعدة وغير ممنهجة، تتنوع ما بين جنائية وإرهابية ومجتمعية، لا تزيد كثيرا عما يحدث في أي مجتمع مماثل.

في المقابل، أصبحت الجريمة في مناطق الاحتلال الحوثي يومية ومعتادة وممنهجة، ولا يكاد يمر يوم واحد دون حادثة قتل أو سرقة بالإكراه أو اقتحام، ووصلت جرائم القتل إلى جرائم لم يعرفها اليمنيون، فقتل الأهالي من أبنائهم تتكرر بشكل مرعب كاد أن يصل إلى الظاهرة، كما يمارس المشرفون القتل بالشبهة أو للسرقة، في منهج حوثي يحتكر الإجرام، ويدعي أن لا جرائم.

ومن المهم الإشارة إلى أن الجرائم والحوادث الأمنية في صنعاء وبقية المناطق المحتلة، ونظرا للقمع ورغم ضخامتها وانتشارها، لا يتجرأ أحد عن النشر عنها على أي مستوى، فيما يتم التناول الإعلامي والشعبي لكل حادث في المناطق المحررة مهما كان صغيرا، ويساهم الإعلام الحوثي في تضخيمها خدمة لهدف شيطنة الحكومة وتأليب الناس عليها، والتدليس على المواطنين تحت سيطرته بأنهم أحسن حالا.

في مناطق الاحتلال الحوثي، عمليات اقتحام المنازل عمل يومي، وانتهاك حرمات البيوت وترويع النساء والأطفال فعل مشروع، بل وقتل الأمهات أمام أطفالهن، ومصادرة الأموال واحتلال المنازل يتم دون محاكمة ولا أمر قضائي، ويكفي أن تكون معارضا للميليشيا لتصادر أملاكك، وتنهب ممتلكاتك، ويهدر دمك، ويفرض على من بقي من أسرتك تحت حكمهم بالتبرؤ منك.

وفي مناطق الحكم السلالي أيضاً، تمارس الجماعة النهب والجبايات، والإثراء بكل السبل حلالا وحراما، ولتلبي شبقها للمال، تضاعف على المواطن الجمارك والضرائب، وتفرض عليهم الدفع لاحتفالاتها ومناسباتها الممتدة طوال العام، وعليه أن يدفع الخمس والزكاة. وفي المقابل لا تدفع المرتبات، ولا تمول الخدمات، في حين تدفع الدولة مرتبات الموظفين في كل المناطق المحررة، وبعض الفئات في مناطق الاحتلال الحوثي، وقدمت تنازلات لدفع الميليشيا لصرف مرتبات الموظفين، ومن ذلك فتح ميناء الحديدة.

لم تشهد منطقة محررة حوادث تفجير منازل أو اقتحام مساجد أو إغلاق لمنشأة تجارية، أو صناعية لرفضها دفع جباية أو رسوم احتفال، أو دعم للمجهود الحربي، لم يتم تشكيل حارس قضائي يتولى دور الشرطي والنيابة والقاضي، ويطيح في خلق الله غلقا ونهبا ومصادرة، بلا مبرر قانوني أو أخلاقي، وهو ما يجري يوميا في مناطق الاحتلال الحوثي.

ثم يأتي الفرق الأكبر والأكثر كارثية، والذي تهون معه كل الفروق، وتتضاءل في مقابله كل صعوبة في العيش، وهو العمل الممنهج من قبل ميليشيا الخراب والإرهاب للتجريف الفكري، وتطييف المجتمع، وإرغام الناس على الاحتفاء والاحتفال بخرافات تناقض معتقداتهم، وطريقة عيش لا تنتمي إليهم، أن تتعمد السلالة محاولة صبغ المجتمع بفكرها وعقيدتها، وإجبار الناس على رؤيتها، أن تتحول المدارس والمراكز إلى مصائد للأطفال، ومحاضن للإرهاب، وصناعة الموت.

أي معنى للحياة إذا فقد المواطن حقه في تربية أطفاله على مبادئه ومعتقده، وعاش على قلق وترقب يومي من عودة ابنه وقد تغيرت نظرته اليه، وملأت الكراهية قلبه، ويلازمه الرعب أن يأتوا بفلذة كبده صورة في ملصق، أو صندوقا بلا جثة، بعد أن خطف من مدرسته، أو شارعه، أو أثرت عليه دعاية الحوثي فاستسلم للفكر الضال، ليرمي به الحوثي إلى الموت من أجل مشروعه وأطماعه المريضة.

كم أب في مناطق الاحتلال الحوثي، اضطر إلى مغادرة منزله، أو بيع بيته أو أرضه، لينقل ابنه بعيدا عن خطر التجريف الحوثي، بعد أن شاهد تجارب جيرانه ومعارفه، ممن تنكر لهم الأبناء أو أصبحوا أحد نتائج محاضن السلالة ومنهجها المظلم، هروبا بعقيدتهم ومبادئهم وما اكتسبوه من ضياء جمهوريتهم، وصونا لإنسانيتهم وكرامتهم.

تحت حكم الميليشيا، تهان بيوت الله، ويفرض خطباء السلالة، ويساء لرسول الله وأزواجه وأصحابه، يمنع الناس من صلاة التراويح، وتغلق المساجد بحجج تافهة، في منهج حوثي سلالي بأبعاد تاريخية، عمدت فيه السلالة كلما حكمت على فرض رؤيتها الدينية، وتكفير مخالفها، وهدر دمه، وماله، وعرضه.

وأخيرا نحن هنا لا نبرر بقاء المناطق المحررة في وضعها الحالي، ولا أن يترك الناس فريسة لتدني الخدمات الناتج عن الإهمال والفساد وغياب الخطط، لكننا نؤكد على ضرورة التفريق بين الخطأ الممكن إصلاحه، والخطايا التي تمارس لأهداف تجويع الناس وإهانتهم والتحكم في مصائرهم.

يجب أن نستوعب جميعا ما يتعرض له أهلنا في مناطق الاحتلال الحوثي، من تفكيك للمجتمع، وهدم للعرف، والغزو الفكري والقمع العنصري والممارسات الممنهجة لفرض التغيير الديموغرافي، وكلها أخطار وجودية، وخراب سيحتاج مستقبلا لما هو أكثر من المال والخطط وإمكانيات الدولة لمحاولة إصلاحه.