آخر الاخبار

الرئيسيةكتابات احمد عثمانحكايات من قلب المقاومة (14)

احمد عثمان
احمد عثمان
عدد المشاهدات : 5,357   
حكايات من قلب المقاومة (14)

صور من السقوط والهمجية
اشتد الحصار وتعددت الإهانات. في المعبر يتجمع الناس لساعات حتى يأذن مزاج القائمين بالسماح، بعد الضرب والشتم وأحيانا القتل.
عندما اعترضت إحدى النساء على المعاملة السيئة وهزأت المسلح، غضب عليها وبأعصاب باردة سألها كم معك أولاد يا حجة؟
هي ظنت أنه بدأ يندم على الإساءات والتجريح، وأيقنت أن سؤاله عن الأولاد باب رحمة منه. قالت له مباشرة: سبعة. معي سبعة أولاد. الكبير بعمرك.
لكن هذا لم يوقظ مشاعر الرجل أو يستجلب الرحمة إلى قلبه.. فقد تحرك ببرود وأطلق عليها سبع طلقات، بعدد الأولاد!
لا شيء أرخص من الإنسان في معابر الموت.
وبدأت المدينة تتناقل أخبار المعابر، وما يجري فيها بمزيد من القهر ليترسخ لدى الجميع أن هؤلاء ليسوا بشراً، وأن المقاومة هي أسلم الطرق وأشرفها.
في اليوم التالي مر بابور ماء.. بوابير المياه ممنوع دخولها لكن بين حين وآخر يسمح لها بالدخول، عندما سمح المسلح المناوب لبابور الماء بالحركة صرخ أحد المتحوثين بالتوقف قائلاً: لحظة لحظة ليصعد ويتبول إلى خزان المياه بلا خجل أو مروءة، وعندما انتهى قال؛ هيا امشي ما ذلحين!!
وتكررت الحادثة ذاتها على مرأى ومسمع من الجميع، الحادثة تناقلتها المدينة بنوع من المرارة.
قال الأستاذ أنور وهو يستمع من صاحب (الوايت) ويتأكد منه:
هؤلاء ليسوا بشراً، لقد فاض الحقد على كل إنسان في المدينة وبأسلوب هابط لم يسبق له مثيل.
عندما أكمل الأستاذ أنور كلامه، كانت قذيفة تسقط وتخطف حياة أسرة كاملة غالبيتهم أطفال.
تنوعت صور التعذيب في معبر (الدحي) الذي ذكرهم بمعابر فلسطين وأخذوا يعددون الفارق للأسف!
مر تاجر الثلج. الثلج أصبح عملة صعبة بسبب وجود المصنع بالمنطقة الخاضعة للحوثين.
أمره أن يجلس على قالب الثلج وإلا أطلق عليه النار ليصبح مخيراً بين الموت بالبرد أو الموت بالرصاص، وعندما تقدمت عجوز وهي تقول: حرام عليكم شيموت من البرد!
خبطت على مؤخرتها دون احترام لسنها أو لقيم الدين والأخلاق وهي حركة تتكرر بحقارة.
كل شيء ممنوع يرمى بالأرض أو يعاد على أحسن الأحوال، وكل هذه الإهانات والتأخير لمرور الأفراد.
في الآونة الأخيرة زادت الحركات الصبيانية التي تركت لمزاج القائمين على المعبر.
بعد ساعات انتظار يأتي أحد المسلحين ويسمح للبعض بالمرور وعند المرور ينادي أحدهم:
- تعال أنت.. ارجع، ارجع.
-- ليش أنا؟!
- أنت لأنك حافي ما عندك شبشب هههههه
 طوابير طويلة تنتظر السماح، ليأتي أحدهم بعد وقت طويل ويفرد رجليه ويقول: اللي يشتي يمر من تحت رجلي وعندما يرفض الناس يصعد فوق برميلين ويطلب منهم المرور من تحته وإلا أمانة ولاحد جازع!
كان الناس بالغالب يفضلون البقاء لساعات أو العودة من حيث أتوا وفي النهاية يأتي أحد الحوثيين ويتظاهر برفض هذا التصرف ويصرخ بالفاعل الذي غالبا ما يكون متحوثاً: هذولا هم أصحابكم أصحاب تعز. كنوع من النكاية والظهور بمظهر أفضل.
معمر أحد المتحوثين الذين يمنعون الناس ويتعنتون في معبر الدحي، غالباً ما كان يبالغ بإيذاء الناس بتوجيه من قائد النقطة إلى درجة أنه يتدخل القائد الحوثي بالنهاية لمطالبته بالتخفيف كحركة تظهرهم أنهم أكثر مروة.
ذات يوم مرت على (معمر) فتاة ففتح لها على طول على غير العادة، فأثار ذلك فضول زميله الحوثي فتبع الفتاة وأعادها بعنف.
حاول معمر التدخل فرفض، وأخذ يكيل السب للفتاة والمتحوث معمر معا، ومعمر هذا متحوث من أبناء تعز.
-- ما في بينكم يا سفلة؟
وأخذ يشد الفتاة ويسحبها بشدة ليتدخل معمر ويشتبكا بالأيدي ويستقبل ركلات من الحوثي ومسلح آخر.
عندما أخذ (معمر) إلى قائد النقطة قال القائد مستغرباً:
 ما لك يا (معمر) كيف رجعت اليوم رحيم بالدواعش إيش في؟؟
لم يقل معمر شيئاً، لكنه انفجر باكياً وبذل مرير.
وعندما تم التأكد عن الدافع، اكتشف أن الفتاة هي أخت (معمر) الذي أخذ يمسح دموعه كالحمل الوديع وهو يقول:
 لقد أهنت وأهينت أختي أمامي، هذه آخرتها لقد خدمتكم بكل ما أملك. اقترب منه أحد المنتظرين بالمعبر وهمس له:
الآن حسيت بالإهانة يا (معمر) وتذكرت أن لك أخت وأسرة داخل المدينة؟! وأنت تهين الناس أمام نسائهم وتبذهلوا بنات الناس كل يوم! كان الأولى أن تحس بأن كل البنات أخواتك.
التفت إليه (معمر) بقهر ذليل وانكسار واضح ولم يجبه بشيء.. فقط طلب من زميله أن يولع له سيجارته.