آخر الاخبار

الرئيسيةكتابات يحيى الثلاياكبير شيوخ اليمن وصادقها يترجل

يحيى الثلايا
يحيى الثلايا
عدد المشاهدات : 1,258   
كبير شيوخ اليمن وصادقها يترجل

زعيم قبيلة حاشد وكبير شيوخ اليمن وصادقها يترجل..

صادق بن عبدالله الأحمر في ذمة الله..

مات إثر عناء طويل ومرير مع آلامه وآلام البلاد.

قبل أن يصل سرطان الإمامة إلى عاصمة البلاد كان دار صادق بن عبدالله، وقبيلته هي العتبة التي لابد من اجتيازها وبذل الجهد الأصعب والأشق ليتمكن غلمان السلالة الجدد من إعادة الباهوت.

وبعد الخمري وخمر وعمران، صارت الدروب مشرعة إلى كل البلاد.

دخلوا صنعاء فغادرها أكثر أهلها وقادتها خفافا أو ثقالا.

وحين طرحت فكرة المغادرة على صادق بن عبدالله، مزّق جوازه أمام القوم مخاطبا إياهم بلكنته المعروفة:

"تشتوني أفلت البيت؟ ويش بايقول لي عبدالله يوم ألقاه؟ تركت بيتي يا صادق؟".

لقد آثر الوفاء لعبدالله والبقاء جوار جنبيته وشاله وديوانه في "الحصبة".

وعبدالله الذي أشار إليه صادق هو والده الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر، أبرز وأشهر رجال القبيلة اليمنية والعربية في تاريخنا المعاصر.

بقي صادق في صنعاء حبيسا معزولا عن قبيلته ومجد قومه، مطوقا بالأفاعي والذئاب التي يعلم جيدا مدى حقدها عليه وعلى آبائه وقبيلته الذين كان لهم قولا وموقفا ساهم في تبديد ليل الإمامة المظلم ذات يوم مجيد.

لكنه اختار البقاء بكل المخاطر والتداعيات.

وحين داهمت الذئاب داره عليه ذات ليلة خرج بعدها صادق أمام من جاءوه بالاعتذار ليقول لهم مقولة غزال المقدشية:

سوا سوا يا عباد الله متساوية

ماحد ولد حر والثاني ولد جارية.

ثمانية أعوام ونيف، لم يفارق فيها صادق عتبة منزل والده في الحصبة عدا مرتين فقط، الأولى لتشييع الشيخ سنان أبو لحوم، والتالية لتشييع شقيقه الشاب حسين بن عبدالله بعد عودتهما إلى صنعاء جثامين.

بل كان يقضي الأشهر المتعاقبة لا يغادر غرفته حتى إلى ديوانه ومقيله الذي ظل عامرا لعقود بكل اليمن وقياداتها التي طالما توافدت إليه.

في ظل عودة الإمامة عاف صادق بن عبدالله كل شيء.

المجد والمال والجموع والسفر وكل ما يعشقه الناس حتى شال عبدالله وعسيب عبدالله تركهن ليحتسي الأوجاع والآلام ويعيشها بين الناس.

طيلة السنوات التي خلت بقي صادق جمهوريا وفيا لجمهورية الناس لم يهادن بحرف أو صورة ولم تنتزع الإمامة منه كلمة لين أو خنوع.

قبل أشهر اكتشف الأطباء أن السرطان قد نال من صادق وبلغ من رئتيه مبلغا خطرا فكان لابد من السفر وحط به المقام في الأردن طلبا لأسباب العافية.

وكان هذا الخروج من عتبة منزل عبدالله هو الخروج الثالث والأخير.

في العاصمة الأردنية عمان تقاطرت كل رجالات الدولة والقبيلة والسياسة والتجارة والدبلوماسية لزيارة صادق حيث يتلقى العلاج.

زاروه وهو البعيد كل البعد والمجرد عن كل ما يجعل الناس يطمعون بنيله منه أو يضطرون لمجاملته لأجله، فلا سلطان ولا برلمان ولا هيلمان ولا حتى عافية، لكن الناس جميعا من أصدقاء ومحبين وساسة ومنافسين وخصوم ظلت تؤم مشفاه كملك متوج في عرشه.

وكان هو الكبير حتى في أحلك ظروفه يستقبل الناس ويلوذ بالصمت ووجع اليماني الذي كان شاهدا على انهيارات مؤلمة وخسائر فادحة.

مات صادق اليوم بعد أن عجز الطب عن إنقاذه ومنحه العافية والعمر.

مات ليفتح بموته دور عزاء وأحزان قديمة متجددة.

رحمك الله يا شيخ البلاد ووجعها وشموخها وعمود القبيلة الذي هوى.