آخر الاخبار

الرئيسيةكتابات عبدالله شروحإلى محمد قحطان:

عبدالله شروح
عبدالله شروح
عدد المشاهدات : 1,191   
إلى محمد قحطان:

سلام عليك حيث تكون، أنت المفكر الذي تجسدت به الفكرة، والمناضل الذي لم يتوقف برهة عن النضال، والمغيّب مذ غيّبوا عنّا البلاد.

حين حدثت النكبة يا أبانا، كنا، نحن هذا الجيل الشاب المنكوب، بالكاد نتلمّس بداية الطريق، هناك في السفوح الطريّة، وكان اسمك يلوح لنا في الذرى القصية نجماً يصعب علينا، لشدة سطوعه، النظر فيه ناهيك عن الإحاطة به.

وكنّا، خلال مضيّنا المرتبك، نلتقط شذرة من سيرتك من هنا وشذرة من هناك، وكلما تراكمت لدينا هذه السيرة وجدناها، كما هي سير العظام جميعاً، تدور حول محور واحد، وبالنسبة لك فإن اليمن الجمهوري الكبير كان مدار حركتك كلها، حياتك كلها، اليمن الجمهوري الكبير، وطننا المرتجى الذي بقيت تنشده وتسعى إليه بقوة الساعد الشاب وعقل السياسي المفكر الخبير.

ولقد بقينا، أيها العَلَم الكبير، نتشوّق إلى اللحظة التي سيكون بوسعنا أن نلقاك ونتتلمذ على يديك، أن ترينا أنت معالم الطريق وتقطّر في جماجمنا الفتيّة عصارات خبرتك الطويلة ليتسنى لنا الاقتراب ولو قليلاً من سمائك.

ثمّ حلّ الطاعون وجاب البلاد من أقصى الشمال إلى أدنى الجنوب، الطاعون الذي بقيت على الدوام تحاول أن لا يأتي، ثمّ تحاول أن تزيح عنه بنور عقلك ظُلمته ليغدو ضوءاً مثل باقي أضواء البلاد، الطاعون الذي أبى رغم كل شيء إلا أن يظل طاعوناً ولم يحتمل وجودك تحت الشمس، وأنت نقيضه، فطوّقك وأخفاك عنا، أخفى المفكر وبقيت الفكرة محمولة في أذهان وعلى كواهل وبسواعد فتيان حاولوا أن يحملوا إرثك قدر استطاعتهم.

معلّمنا الكبير: لطاعوننا، كما تعلم، لسان، ولم يكف يحاول يبتزنا بك، ويثير مخاوفنا تجاه مصيرك، وآخر ما قال إنّك قد قضيت في سجونه قبل سنين. لا عتب عليه فهكذا هي الطواعين، تفعل جرائمها بكامل الاستعداد للمجاهرة، وإنما العتب علينا نحن أن ظل هذا الطاعون يفتك بنا كل هذه السنوات، علينا وعلى حلفائنا، إن كان لنا من حليف.

نصدقك القول يا أبانا المغيّب أنّ إخفاءك عنّا كان ضربة موجعة بلا حد، موجعة حد أنّ التماسك كان صعباً مثل ابتلاع خنجر دون صراخ. ونصدقك القول إن استشهادك في سجون الطاعون، إن حدث، وإن كان فخراً لك ولنا أيضاً، وخاتمة حسنة، فإنه محزن ومؤلم، وسيظل هذا المصير ينغرس في قلوبنا مثل مخارز محمّاة، يسائلنا: أحقاً لم يكن بوسعكم أن تفعلوا شيئاً لإخراج قائدكم من سجونهم عنوة؟! ومهما كنا قد حاولنا فإن هذا السؤال لن يكف يطرح نفسه علينا كل حين، مصوَّباً نحو حدقاتنا مثل سبّابة اتهام قاسية.

نعرف أنّك لا تهتم بمصيرك أدنى اهتمام وإنّما بمصير البلاد، فهكذا عشت حتى لحظة اختطافك، ونعرف أنّك في هذه اللحظة، إن كنت ما زلت حيّاً، وأنت حيّ وإن قضيت، تتساءل فقط عن أوضاع البلاد وأوضاعنا فيها، وإنّ حقك علينا أن نهتم لمصيرك قدر اهتمامك بنا وبالبلاد، وأن نعمل على إخراجك من عتمتهم إلى سمائنا بكل السبل الممكنة، وليس هذا واجبنا وحدنا نحن المؤمنين بفكرتك وأعضاء حزبك، بل هو واجب كل يمني يهتم لوطنه ويدرك معادن الرجال.

وحين تخرج، حين نخرجك يا أبانا العظيم، سنمضي معك، تحت أضواء عقلك الفذ، لنضع لهذا الطاعون الظلامي نهاية، حتماً، وإن طال النضال.