آخر الاخبار

الرئيسيةكتابات يحيى الثلايامارب والحوثي بين معركتين

يحيى الثلايا
يحيى الثلايا
عدد المشاهدات : 2,269   
مارب والحوثي بين معركتين
 

مارب والحوثي بين معركتين: حق البقاء أم كسر العظم!

منذ أكثر من خمسة أشهر، تواجه محافظة مارب حربا وجبهات مفتوحة لم تتوقف ساعة واحدة، بل تسير الحرب بوتيرة هي الأعنف منذ بداية الحروب بين اليمنيين والحوثي منذ أكثر من 7 سنوات.

لم تكن سهلة أبدا ارتدادات سقوط مديرية نهم ثم مدينة حزم الجوف بيد الحوثيين، وأغلب ما يجري منذ بداية العام هو نتيجتها، كانت نهم بوابة الصد الأهم عن مارب والجوف، بسقوطها بيد مليشيا الحوثي لم تنفتح نهم كبوابة عسكرية أمام الحوثي فقط، بل انفتحت معها أيضا شهية الحوثيين ومعنوياتهم بشكل غير مسبوق.

ظن الحوثيون بعد تجاوزهم الجبل أن المعركة صارت في متناولهم، واعتقدوا أو قرروا أن تكون مارب هي معركتهم الأخيرة، تغلب عليهم هذا الشعور والفعل نتيجة انفتاح شهيتهم بسقوط نهم وتبعا لما اعتقدوه قراءتهم وتحليلهم لواقع وتفاصيل جبهة خصومهم الميدانية والسياسية والدولية.

الاستنفار والتحشيد الحوثي المستمر على أعلى مستوياته العسكرية والأمنية والسياسية والاجتماعية تجاه جبهات مأرب، والذي يتوازى مع الاستماتة المهولة والمجنونة ميدانيا من قبل مجاميعه وكتائبه وآلياته التي لم تتوقف ساعة يكشف أن المليشيا ألقت بكل ثقلها في هذه المعركة.

قبل أربعة أشهر سوقت المليشيا داخليا وخارجيا بشكل واسع أن مارب على وشك السقوط خلال ساعات وأيام، مرت الأيام والأسابيع والأشهر ليكتشف الحوثي نفسه يدور في الفراغ وفي ذات المربع حاصدا كم مهول من مقاتليه الذين أكلتهم السفوح والسهول بأعداد هي عشرات أضعاف ما خسرهم في معركة الجبل.

نتذكر جميعا إعلان التهديدات والأيمان الحوثية المغلظة للحوثيين أنهم لن يصوموا رمضان إلا وسط مجمع مارب.

تقريبا كان ذلك الإعلان آخر ترسانته الجادة من المزاعم والتهديدات، لكنه من قبلها بأشهر حتى اليوم لم يربح كيلو متر واحد على امتداد الجبهات المفتوحة والمشتعلة من شرق حزم الجوف مرورا بمفرق الجوف وصلب وهيلان وصرواح وصولا إلى البيضاء، وكانت الخيبة ومواكب تشييع الأشلاء هي حصاده الوحيد باستثناء انكسارنا في قانية المرتبط بما شهدته مديرية ردمان.

في المقابل، تمكن الجيش الوطني خلال الفترة الماضية من لملمة بعضه إثر انكساره في نهم والجوف، وتمكن من تثبيت مواقعه واتخاذ سياسة دفاعية تصد العدو وتمكن من استعادة معنوياته وبدأ ينتقل إلى مربع الهجوم جزئيا في أكثر من محور حيث بدأ التحول لموقع المهاجم منذ شهر ونصف تقريبا وبشكل لا زال بالتأكيد رمزيا.

اجتماعيا وقبليا، خسر الحوثي أهم وأخطر الأوراق التي اشتغل عليها كنسق ثاني لفترة طويلة، اشتغل الحوثي بكل قوته وإمكاناته الاجتماعية والمخابراتية محاولا إحداث اختراق عبر مغازلة واستقطاب وتجنيد عناصر اجتماعية وأمنية من قبائل مارب بإمكانات مهولة خصصها لهذه المهمة لكنه انصدم بفشل كل محاولاته في التأثير على قبائل مارب.

وبفعل اليقظة الأمنية والمجتمعية في مارب تساقطت وانكشفت تباعا أغلب الخلايا الإجرامية والمخابراتية التي كان يعول الحوثي على زراعتها وتجنيدها في مدينة مارب ومديرياتها قبل أن تتمكن من تحقيق أحلامه وعاد للتباكي الفاضح عليها كما تابعناه عقب ما جرى مع خلية سبيعيان.

الحسبة والتحليل الذي بنى عليه الحوثي قرار معركته هذه، كانت منطلقة من اعتقاده أنه سيعلن خوض معركة ضد حزب الإصلاح فيظفر بدعم خصوم ومنافسي الإصلاح كما كان يفعل من قبل، واعتقد أيضا أن المهاترات التي أحدثها الخلاف الخليجي داخليا وتحركات الانتقالي والإمارات جنوبا ستصب في صالحه، لكنه في مارب خسر رهانه هذا.

بعد أشهر من المعركة المستمرة، اكتشف الحوثي أن ضحاياه واوراقه القديمة من خصوم الإصلاح لم يعودوا كروتا رابحة أبدا، لم يستطع انتزاع أي صوت أو موقف حتى إعلامي، ولو من شخصية ماربيه محترمة واحدة لها اسمها السياسي والقبلي بما في ذلك الذين كانوا يخاتلونه سرا، كل اليمن ومكوناتها لم تعد تثق بالحوثي أو تأمنه وإن كان الكثير لا زالوا يهابون ويجاملون سطوته مؤقتا.

أما الإصلاح فقد أحس أكثر بالخطر وتيقن من حجم الحقد والفجور السلالي ضده، فالتحم بكل قوته مع الجيش كمكون رئيسي في المعركة.

بل زادت الأحداث والمخاطر من تماسك وانسجام حزب الإصلاح ميدانيا مع قيادة الجيش والأشقاء في التحالف السعودي، الجميع يدرك هنا في مارب أن تناغم أداء وتنسيق الجيش والإصلاح والتحالف خلال الأشهر الماضية هو الأفضل والأكثر ايجابية وفي أعلى مستوياته ربما منذ بداية المعركة.

يخوض الحوثي ما أطلق عليها معركة "كسر العظم" التي يريدها لخصومه، ومعركة بهذا الاسم والعنوان هي معارك قابلة للربح والخسارة وأحيانا قد تبدو ترفا أو نزوات.

بينما تخوض مارب "مارب كقضية وجغرافيا ومجتمع ووطن"، معركة "البقاء" وقررت أن تستميت دفاعا عن حق الحياة الذي استهدفه الحوثيون.

مارب اليوم، تدرك جيدا وبيقين تام وكل من فيها أن الحوثي لو تمكن أو وجد ضعفا فلن يكتفي بكسر العظام وحتى إزهاق الأرواح، بل سيوغل في الحقد والتدمير والفجور، لن يترك أمامه أحدا ولا شيئا، لكنها رغم ذلك لا تدافع عن مجتمعها وساكنيها فقط أو برميل نفط هنا أو محطة هناك.

تقف مارب اليوم كحائط صد يحمي البلاد كلها من الكارثة التي قد تحرق كل اليمن وتمتد إلى الإقليم أيضا بشكل أخطر وأبشع من الذي رأيناه وعشناه خلال السنوات الماضية.

سنن الكون، وقصص التاريخ، وعدالة الله، كلها حقائق وتجارب تقول إن الحركات الشاذة مهما انتفشت وتمددت لا يمكن أن تهزم إرادة الشعوب أو تفني أمة بأكملها، وقدر مارب اليوم أن تكون هي النافذة التي يتسلل منها الضوء ليبدد سواد أعوام الإمامة العجاف التي تسللت إلى حياة الشعب وأطبقت عليه الظلام في رابعة النهار.

وسيسجل التاريخ لكل صاحب موقف كلمته وموقفه كما هو، أما مارب واليمن فستظل أكبر من الأشخاص والمنافع والتفاصيل.

والله مع المتقين.