آخر الاخبار

الرئيسيةكتابات محمد الغابريالرسول ليس قرين القرآن

محمد الغابري
محمد الغابري
عدد المشاهدات : 2,112   
الرسول ليس قرين القرآن

الرسول صلى الله عليه وسلم، ليس قرين القرآن الكريم.
حين نقرأ القرآن الكريم نجد أن خطاب الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم يتسم بسمتين رئيستين.
الأولى، أنه خطاب إلهي فوقي، خطاب الرب لعبده ورسوله، وليس خطاب القرين لقرينه كما يدعي أصحاب الولاية أنهم قرناء القرآن.
السمة الأخرى، التوازن بين العتاب والتحذير من جهة، وبين الثناء عليه وبيان مكانته.
وتلك السمتان تجمع بين منع الخلط بين ما هو لله تعالى وحده، وما هو للرسول صلى الله عليه وسلم، ومنع الخلط بين الوحي الرسالة وبين الرسول.
السمة الأخرى، الحيلولة دون التقليل من شأن الرسول صلى الله عليه وسلم، بل بيان واف عن أهميته ومكانته، وذلك توازن دقيق جداً لا يقدر عليه إلا الله تعالى.
أولا: القرآن الكريم والرسول صلى الله عليه وسلم شيئان متغايران، مختلفان.
يذهب أصحاب الولاية إلى القول إنهم قرناء القرآن، وأن حكمهم كحكمه، ثم يذهبون أبعد فيقولون إنه تابع لهم، ويصفون علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، بأنه "من يدور معه الحق والقرآن"، أي أن الحق والقرآن ليسا مستقلين، بل تابعان لعلي ثم لـ"العترة"، فالسنة لا تفارق القرآن، والقرآن لا يفارق "العترة"، كما ينقل المؤيدي عن عبدالله بن حمزة.
وخلاصة قولهم إنهم فوق القرآن، وفوق الرسول صلى الله عليه وسلم، وسنته.
في حين أنه من البديهيات أن الكتاب شيء، والرسول شيء آخر، والإيمان بالكتب ركن مستقل من أركان الإيمان، وليست مدمجة في الرسل.
القرآن الكريم خطاب الله تعالى، والرسول صلى الله عليه وسلم بشر، الوحي معصوم مطلقا، وحق مطلق، الرسول معصوم في تبليغ الوحي كما انزل، أما مقام النبوة فالعصمة أقل، لذلك يقول ربنا "يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك"، ومقامه بصفته بشر أقل، إذ أنه يأكل ويشرب وينام ويتزوج، وتلك كلها لا يوجد منها شيء في القرآن الكريم، إنه وحي وليس مخلوقا، إنه كلام الله تعالى، وليس شخصا أو أشخاص، فكيف يوصف أشخاص بشر بأنهم قرناء القرآن، كأنه زميل لهم، بل وأنهم أعظم منه شأنا، إنه يتبعهم، ولا يتبعونه؟!
ثانيا، خطاب القرآن للرسول صلى الله عليه وسلم، خطاب إلهي فوقي، خطاب الرب للعبد، وليس خطاب القرين لقرينه.
والقَرِينُ، "معجم الوسيط": المقارنُ والمصاحَب، وفي التنزيل العزيز، الصافات، آية 51، "قال قائل منهم إني كان لي قرين"، القَرِينُ الزوج، القَرِينُ البعيرُ المقرون بآخر، القَرِينُ الأَسير، والجمع قُرَناءُ، ويفهم من معاني قرين في اللغة المماثلة.
1- في التحذير وردت آيات كريمات، نذكر مقتطفات: "ولا تكونن من المشركين"، "ولا تكونن من الممترين"، "ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك فإن فعلت فإنك إذا من الظالمين"، "ولئن اتبعت أهواءهم ما لك من الله من ولي ولا نصير"، "فلا تكن من الجاهلين"، "ولا تكن من الغافلين"، "ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا، إذا لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ثم لا تجد لك علينا نصير"، وغيرها كثير مما يؤكد أن الرسول صلى الله عليه وسلم عبد الله ورسوله، وليس ندا للقرآن الكريم.
2- العتاب الشديد: "عبس وتولى"، "وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه".
3- ولا فوق المحاسبة، والعبودية لله تعالى، بل أشرف المقامات العبودية لله تعالى، "سبحان الذي أسرى بعبده"، "وانه لما قام عبد الله يدعوه"، وأول ما قال عيسى بن مريم "إني عبد الله"، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم يمثل الأسوة الحسنة في عبادة الله تعالى وإتباع الوحي، "قل إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم"، "قل إني أمرت أن أعبد الله مخلصا له الدين"، "وأمرت أن أكون من المسلمين"، فكيف يدعي أقوام ليسوا رسل ولا يوحى إليهم أنهم قرناء القرآن الكريم، والقرآن الناطق، بل وأنه تابع لهم، ذلك يعني أنهم فوق العبودية لله تعالى؟!
ثالثا: الثناء على الرسول صلى الله عليه وسلم، وخلقه وكونه مثالا لكمال العبودية لله تعالى والإخلاص له، ووجوب طاعته وإتباعه والتحذير من مخالفته.
نقتطف منها "وإنك لعلى خلق عظيم"، "إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا"، "وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا"، "فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك"، رحمة ولين لا فظ ولا غليظ.
الإتباع والطاعة، "قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله"، "أطيعوا الله وأطيعوا الرسول"، "من يطع الرسول فقد أطاع الله".
التحذير من العصيان، "فليحذر الذين يخالفون عن أمره"، "يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض"، "ومن يشاقق الله ورسوله"، وغيرها كثير.
الشاهد أن الخطاب الإلهي لعبد الله ورسوله بين محمد رسول الله خاتم النبيين، مقامات ثلاثة لا تعارض بينها، فالعصمة والطاعة والإتباع بصفته رسول الله، والتحذير والتنبيه بصفته بشر، والعتاب بصفته نبي.
"يا أيها النبي اتق الله"، "يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك"، ويبين عقب ذلك جانبا من خلقه الكريم، "فلما نبأت به وأظهره الله عليه عرف بعضه وأعرض عن بعض"، والتنويه في الآية الكريمة إلى ذلك بعد قوله "لم تحرم ما أحل الله لك"، نموذج للتوازن بين العتاب والثناء، وأنه صلى الله عليه وسلم لا يفصل ويبكت، بل يذكر طرفا من الموضوع "عرف بعضه وأعرض عن بعض"، وهو درس لكل مسلم ومسلمة أن يقتصد في العتاب، ولا يظل يردد تفاصيل الخطأ والإسهاب فيه.
والخلاصة، أن محمدا عبد الله ورسوله، وليس هو الرسالة نفسها، أو هو والقرآن سواء، وذلك لا يقلل من شأنه ولا من وجوب إتباعه، وطاعته ومحبته والصلاة عليه صلى الله عليه وسلم.
الله تعالى من تولى تقويمه ومن ثم ليس للناس أن يقولوا فيه أو ينتقدوه تحت مبرر أنه بشر، وليس لهم أن يرفعوه إلى مقام الألوهية بحجة أنه رسول الله، ولا القول بأنه والرسالة سواء، الرسالة صادرة عن الله تعالى، وهو رسول الله مبلغ للرسالة، ومن ثم لا خلط بين الرسول والرسالة.
ومن ثم استحالة اقتران البشر بالقرآن الكريم، وبطلان من يصفون أنفسهم بقرناء القرآن، بل ويصلون إلى القول إن "القرآن ناقص بدونهم، وهو عمى، ويخدم اليهود والنصارى، ويصور الله فيه شيطان"، كما يقول محمد عواضه المتخصص في الثقافة القرآنية لـ "السيد" حسين.