آخر الاخبار

الرئيسيةكتابات خالد الرويشانالرمح الجامح في قلب الإمامة

خالد الرويشان
خالد الرويشان
عدد المشاهدات : 1,171   
الرمح الجامح في قلب الإمامة

رحيل الثائر الكبير محمد عبدالله الفسيّل.

رحيل صوت إعلان الجمهورية صبيحة 26 سبتمبر 1962.

بوفاته اليوم سيكون الراحل محمد عبدالله الفسيّل هو آخر المغادرين لدنيانا من رجالات ثورة الدستور 1948، وهي الثورة التي أطاحت بالإمام يحيى حميد الدين، وهذه الثورة بالمناسبة هي أوّل وآخر ثورة في العالم العربي قامت بها نخبة مثقفة جُلُّ رموزها من الشعراء والأدباء والعلماء والعسكريين. وكان محمد الفسيّل أحد أبطالها ومثقفيها حتى أنه كتب كتابين أثناء سجنه الرهيب في نافع حجة.

في سجنهِ عقِب فشل تلك الثورة كتبَ كتاباً أسماه "نحو النور" وكتاباً آخر بالمشاركة مع الشاعر أحمد الشامي أسمياه "كيف نفهم القضية اليمنية".

وحين تعرف أنه كتب الكتابين في السجن وهو لم يزل في مطلع عشريناته، بتلك اللغة البديعة وذلك الفكر الثائر الشجاع ضد الإمامة وحكمها وتاريخها المتخلف الظالم ستعرف أهمية وثقافة الرجل.

أتذكّر أنني التقيت الراحل الكبير محمد الفسيّل لأول مرة في مكتب الدكتور عبدالعزيز المقالح ربما قبل عشرين عاماً، ووجدتها فرصةً لأسأله.. "ألَم تجد غير أحمد الشامي في السجن كي تكتبا ذلك الكتاب!" سألته ذلك السؤال المستفز على اعتبار أن الشامي أصبح بعد ذلك وزير خارجية الإمام البدر في الخارج بعد قيام الجمهورية!

أجابني ببداهةٍ سريعة ببيتِ شعرٍ قديم يبيّن فيه موقفه من صديقه القديم وزميل سجنه:

كلانا غنيٌ عن أخيهِ حياتَهُ.. ونحنُ إذا متْنا أشدُّ تغانيا

باقتضاب، قال البيت الشعري كل شيء!

بعدها بسنوات أشرفتُ على طباعة كتابيه في مهرجان صنعاء عاصمة للثقافة العربية وكان سعيداً حين عرف أن الطبعة تجاوزت عشرين ألف نسخة تم توزيع معظمها مجاناً للشباب!

في صبيحة 26 سبتمبر 1962 يوم ميلاد الجمهورية كان صوت محمد الفسيّل ملء أسماع العالم وقبل ذلك أسماع اليمنيين وهو يعلن قيام الجمهورية قبل أن يتلوه صوت عبدالعزيز المقالح وعبدالوهاب جحاف وعلي قاسم المؤيد وعبدالله حمران.

محمد الفسيّل محاورٌ عنيد ومجادلٌ مُلِحٌ فريد! انتقد كل رؤساء الجمهورية منذ ستين عاما.. وقبلهم وقف خصماً عنيداً للإمامين يحيى وولده أحمد!

كان الراحل الفسيّل رحمة الله تغشاه معارضاً عنيداً وصريحاً وشريفا.

كان محمد الفسيّل شديد الانتقاد للمشير السلال مراراً وتكراراً حتى أن السلال بطرافته المعروفة قال ضاحكاً "أتمنى يميلك محمد الفسيّل! ولماذا يا سيادة المشير؟ أجاب: عشان احبسه"! يقصد أنه يتمنى أن يرتد الفسيّل عن الجمهورية ويصبح مَلَكِياً، وفي رواية أخرى أنه تمنى لاثنين أن يميلكا حتى يقوم بحبسهما.

رحم الله المشير السلال كان أبيض القلب شديد الظرافة والصراحة وما هو في قلبه هو في لسانه.

سأختم بواقعة ظريفة ومُلخّصة حدثت في حوارٍ تلفزيوني مع المرحوم محمد الفسيّل.

في لقاءٍ تلفزيوني له في ثمانينيات القرن الماضي سألَتْهُ آنسةٌ أنيقةٌ وهي مذيعةٌ تلفزيونية مثقفة:

يا أستاذ محمد.. ما هو الفرق بين عهد الإمامة البائدة وعهد الثورة والجمهورية؟

وبسرعة أجابها:

الفرق بين العهدين هو الفرق بينك وبين أمّي! كنتُ مع أمي نعيش في الظلام بكل أبعاده الروحية والمادية.. وها أنا معكِ الآن يا آنسة وأنت بكامل تعليمك وثقافتك وأناقتك وسط لجّة الضوء هنا بكل أبعادها المادية والروحية والفكرية.