|
على مستوى الممارسات، أزعم أن لا اختلافات تذكر بين ما يقوم به "داعش الصيف" في الشام و"داعش الشتاء" في اليمن، فالتنظيمان يمضيان بخطوات متشابهة للغاية على طريق ابتلاع الدولة في جوف التنظيم، حتى وإن كان كل منهما ينبعث من أعماق عقدية وطائفية مختلفة.
هل تجد فرقاً بين ما يفعله "داعش" في الشمال العراقي، وما يقترفه "الحوثيون" في الجنوب اليمني؟
هل تختلف خطوةٌ، مثل الإعلان عن افتتاح أول مصرف داعشي، عن إقدام تنظيم الحوثي على تغيير مسميات الشوارع في صنعاء وسواها؟
ضمن احتفالات المسلمين بالمولد النبوي الشريف، طغت المظاهر الحوثية، ليس على الصعيد الديني فقط، بأن اعتبروا أن رسول البشرية هو "جدهم" دون بقية المسلمين، بل وعلى الصعيد الجيوبولوتيكي بأن قررت "الجماعة"، وليس "الدولة"، تغيير أسماء أحد عشر شارعاً في العاصمة، كما نقل مراسلنا الزميل عادل الأحمدي، أبرزها إطلاق اسم "الرسول الأعظم" على أحد أكبر شوارع صنعاء، ناهيك عمّا سبق ذلك من تمدّد حوثي على صعيد التحكّم بنشاط البعثات الدبلوماسية باليمن، إذ باتت "السلطة الحوثية" الأعلى كعباً على الدبلوماسيين الأجانب من وزارتي الخارجية والدفاع اليمنيتين، بحسب تقرير مرفوع للرئيس اليمني بشأن التجاوزات الحوثية بحق الدبلوماسيين الأجانب.
ولا يختلف هذا التمدد الحوثي يمنياً عن التوغل الداعشي عراقياً، ففي خطوة مماثلة، أقدم تنظيم الدولة على تغيير أسماء مدن في محافظة كركوك، وأقضية تابعة لها. وإذا كان الداعشيون قد دشنوا بنكاً لهم في الموصل، فإن نظراءهم في اليمن السعيد حققوا هيمنة على البنوك القائمة من خلال مشروع "حوثنة المناصب الكبرى" في الدولة، على أصعدة الاقتصاد والسياسة والأمن، حتى أنهم فرضوا معاملة خاصة بهم، في ما يخص القبول بالجهات العسكرية والشرطية.
في الموضوع اليمني، هناك رئيس ارتضى أن يكون رهينة عند الحوثيين، وبالتالي، باتت الدولة كلها رهينة لهذه المحاصصة الثنائية بين رئيس النظام ورأس التنظيم، لعلّ أبرز تجليات ذلك ما يدور من حديث عن اتفاق بينهما لقسمة اليمن يمنين، أحدهما شمالي للتنظيم "الحوثي"، والآخر جنوبي لنظام "هادي"، ولتذهب فيدرالية الأقاليم الستة التي توافقت عليها مكونات الدولة اليمنية لتكون ضمن مواد الدستور الذي يكتب الآن إلى الجحيم، والحجة بالطبع، وفقاً للمنطق الحوثي، منع تفتيت اليمن، بحيث يبقى موزعاً بين النظام والتنظيم فقط، ليصبح الآخرون ضيوفاً بينهما.
يحدث ذلك بينما لدينا "شيء"، اسمه النظام الرسمي العربي، يقف متفرجاً، أقصى ما يجرؤ على فعله مصمصة الشفاه وهزّ الأكتاف، كما أن نظاماً دولياً يشرف، بمهارة شديدة، على فلاحة الفاشية والطائفية في حقولنا، وصولاً إلى مبتغاه من مخزون حطب التدفئة على جثة ربيعنا العربي الذي يعاقبوننا على اقتراف خطيئة الحلم به.
إن قمة عربية ستنعقد في مارس/ آذار المقبل، ربما يكون بيانها الختامي وقراراتها معدة أو في طور الإعداد الآن، لا أتصور أنها ستكون معنية بأزمات العرب الحقيقية، بقدر ما سيعتبرونها فرصة لمنح "الدواعش النظامية" شهادات اعتماد رسمية، فيما "دواعش التنظيمات" تواصل فعلها على الأرض، وسط حفاوة أميركية ودولية، لا تخفى على أحد.
والحاصل أن محصّلة عام عربي كارثي مضى كشفت عن أن أكبر "فيتو" في وجه القضايا العربية هو النظام الرسمي العربي ذاته.
في الثلاثاء 06 يناير-كانون الثاني 2015 08:02:11 م