الإصلاح.. رقم صحيح في زمن الانكسارات
موسى المقطري
موسى المقطري

لم يكن "الإصلاح" كمشروع تنويري وليد لحظة تأسيس الحزب بل أن الحركة الإصلاحية اليمنية ممتدة طوال القرون الماضية فلا تخلو فترة زمنية من ظهور هذا المشروع الإصلاحي وبروز حامليه إلى واجهة الأحداث كأبي محمد الحسن الهمداني ونشوان بن سعيد الحميري ومحمد بن إسماعيل الأمير ومحمد بن علي الشوكاني، وصولاً إلى الزبيري ورفاقه المناضلين.

وكل هؤلاء شكلوا مشاعلاً للنور وواجهوا المشاريع الهادمة اجتماعياً وسياسياً وقدموا تصورات مختلفة لإصلاح المجتمع والنظام السياسي تنوعت وتعددت بحسب كل مرحلة زمنية لكنها في المجمل تشكِّل امتداداً طبيعياً للحركة الإصلاحية والتي جعلت الطريق معبداً لظهور كيان يمني خالص تبلور في قالب سياسي بتأسيس التجمع اليمني للإصلاح في 13 سبتمبر 1990، في صنعاء على يد كوكبة من خيرة أبناء اليمن على رأسهم الشيخين عبدالمجيد الزنداني، وعبدالله بن حسين الأحمر.

سياسياً لم يكن تأسيس الإصلاح اعتباطياً، إنما جاء تعبيراً عن رغبة حقيقية في تقديم تنظيم سياسي مدني مرتبط بأصوله اليمنية الضاربة في عمق التاريخ ليشارك بفاعلية وإيجابية في المشهد العام، ويقدم للمواطن اليمني صورة ناصعة للعمل السياسي المدني، ويعزز قيم التنافس المرتكز على أساس البرامج والأهداف والرؤى محتكماً إلى المحددات الديمقراطية سواء في البناء الداخلي للحزب أو في العملية السياسية الوطنية سالكاً درب المنافسة الشريفة واحترام التعددية السياسية وتقديم نموذج سياسي مرتكز على خدمة الوطن والمواطن.

منذ تأسيسه كـ "رائد لا يكذب أهله" حمل الإصلاح على عاتقه مسؤولية أخلاقية وسياسية تمثلت في تأصيل عقيدة وقيم واخلاق وتاريخ وتراث المجتمع اليمني، وحمل على عاتقه مهمة مقدسة تمثلت بإرساء قيم الحرية والعدالة والمواطنة المتساوية والاحتكام لنتائج الممارسة الديمقراطية وسيادة النظام والقانون، كما انتهج نبذ العنف والتطرف والاستقواء بالسلطة أو الاستيلاء عليها قسراً، واتجه بكل ثقله وأفراده وإمكانياته إلى الحفاظ على مكتسبات الوطن وتأصيل النظام الجمهوري كمنجز وطني لا يمكن التفريط فيه أو القفز عليه.

اليوم وبعد ثلاثة وثلاثون عاماً من عمره السياسي يمكن القول إن تجربة الإصلاح في العمل فريدة وجديرة بالدراسة والتعمّق، وخاصة أنه مارس العمل السياسي من مختلف الزوايا وفي كل الظروف، فقد كان شريكاً في أكثر من حكومة، ومارس المعارضة في أكثر من مرحلة، وخاض التغيير عبر صناديق الاقتراع في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية والمحلية والنقابية، وأطلق مشروعه للنضال السلمي لإصلاح البلد دون الانزلاق للفوضى والعبثية، وحين انقلب الحوثيون وعاثوا في الأرض فساداً وسقطت البلاد في كنف انتفاشة مشبوهة وانقلاب مقيت وكثر اللون الرمادي في الشارع السياسي، اختار الإصلاح أن يكون ثابتاً على لونه فظل جمهورياً لامعاً، وانحاز للقيم التي تأسس عليها، واختار أن يكون في صف الجمهورية وتحت راية الوطن الكبير.

لأجل سلوكه هذا المسار والتزامه بمواقفه وقيمه ومحدداته وفي مختلف المحطات تحمل الإصلاح ضريبة باهظة ودفع أثماناً كبيرة لمواقفه المنحازة للوطن، وشملت هذه الضريبة المضايقات على كل ما ينتمي للحزب، والتضييق على الأعضاء والمؤسسات التي يديرونها والفصل والتهميش، ثم انتقلت إلى القتل والاختطاف وتفجير المنازل، واضطر كثير من قياداته وأعضائه إلى النزوح أو الاختفاء أو الهجرة القسرية، ومع هذا كله صبر الإصلاح ولم تدفعه كل هذه الممارسات إلى الارتداد عن أي من القيم والمبادئ التي حملها ودافع عنها منذ تأسيسه.

ومع كل ما عاناه الإصلاح طوال عمره السياسي خابت كل المساعي للانتقام منه والقضاء عليه، وخرج من كل جولة منتصراً مضيفاً لرصيده المزيد من المكتسبات والتي يسخّرها دوماً لخدمة الوطن وضمان أمنه واستقراره، وظل في كل مرحلة يوجه أعضائه ومناصريه للمشاركة بفاعلية في بناء الوطن، ويحثهم على تقديم أجمل ما لديهم من خبرات وإبداعات لإضافة قيمة نوعية ترتقي بالمجتمع اليمني، وتنمّي قيم الحرية والعدالة والمساواة، وسأكون أكثر عدالة إذا قلت إنه لا يوجد كيان سياسي خدم الوطن والمواطنين كما فعل الإصلاح والإصلاحيون، والأجمل من ذلك أن الحزب وكوادره يعتبرون ذلك هو العمق الحقيقي لرسالة الإصلاح والممارسة الحقيقية لأنظمته ولوائحه.

إن مسار الإصلاح من يوم تأسيسه وحتى كتابة هذه السطور وفي مختلف الجوانب يجعله وبكل جدارة رقماً صحيحاً وصعباً في المشهد السياسي اليمني في زمن كثرت فيه الانكسارات والارتدادات، وواقعياً لا يمكن تصور أي عملية سياسية دون أن يكون الإصلاح في مقدمتها، ولا مبالغة بالقول إنه الضامن الأقوى إن لم يكن الوحيد لاستقرار البلد وتنميته والاستمرار في النهج الجمهوري الديمقراطي، وسد الباب أمام نهج الاستقواء بالسلاح واللجوء للانقلاب للاستيلاء على السلطة.

وحتى أكون أكثر واقعية يمكنني القول إن الاصلاح يظل كنشاط بشري قابل للنقد والتقويم ودراسة التجارب السابقة، وبمرونة متناهية ولأجل التكيف مع المتغيرات التي تتوالى بسرعة لافتة محلياً وعالمياً لابد من تجديد الذات باستمرار واستيعاب المتغيرات لمقابلتها بالتحديث والتجديد المستمر سواء في البنية الحزبية الداخلية أو الخطاب والآليات أو الوسائل والأولويات.

أصدق التهاني والتبريكات لقيادة وأعضاء ومحبي ومناصري هذا الحزب الرائد في ذكرى تأسيسه.

دمتم سالمين.


في الإثنين 18 سبتمبر-أيلول 2023 11:59:23 م

تجد هذا المقال في سهيل نت
https://suhail.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://suhail.net/articles.php?id=1100