|
من المقولات المكرسة في عالم التنمية البشرية، والتي من الممكن نقلها إلى عالم السياسية أيضا: "أن تصل متأخراً خير من أن لا تصل أبداً"، والحقيقة أن هذه المقولة ليست صائبة بالمطلق، فالوصول المتأخر ما لم يكن وصولاً مفعماً بالحساسية وبتقدير السابقين، هو وصول مزعج ويكاد لا يقل كارثية وإزعاجاً عن عدم الوصول.
في واقعنا اليمني، ومنذ بداية النكبة الحوثية، لم يختبئ أحد خلف موقف ضبابي، الكل اختار صفه منذ اللحظة الأولى، هناك من اختار الجمهورية وتمسك بها وبذل في هذا الدرب كل التضحيات وهناك من اختار ممالأة الإمامة بطريقة أو بأخرى، وهكذا انطلق الجميع في هذه المعركة.
مرت سنوات على هذا النحو، قبل أن تعيد بعض القوى تموضعها وتنتقل من تحت عباءة الحوثية إلى الصف الوطني، وإن على مهل وبالكثير من التعنت والصلف.
الوصول المتأخر لا يكون متعافيا ما لم يكن وصول الكبار، أولئك الذين يمتلكون من سعة الفكر وسمو الروح ما يؤهلهم ليحفظوا لكل ذي سبق احترامه المستحق، أما هؤلاء الذين يصلون متأخرين لينشغلوا بمحاولات بائسة ويائسة لتلطيخ من اختاروا الموقف المشرف باكراً، فهؤلاء غالباً ما يصير وصولهم هذا مشكلة أكثر من كونه حلاً.
إنهم ينحرفون بالمعارك من سيرورتها الطبيعية إلى شعاب وأزقة تتبدد فيها الجهود في ما لا طائل منه، لقد عجزوا عن أن يكونوا كباراً في البداية، وبدلاً من أن ينشغلوا الآن في محاولة أن يصيروا كباراً بدورهم، ويتلافوا ما كان من قصور، مضوا يصرفون جهودهم في محاولة سحب الكبار إلى مستنقع أحقادهم وأحلامهم الصغار.
إن هذا الهدر في المجهودات يجب أن ينتهي، وعلى الجميع أن يدركوا حساسية المرحلة التي نعيشها اليوم، وأن ينطلقوا لمواجهة الخصم الوحيد لليمنيين بامتداد تاريخهم، ومن كان قد تلكأ سابقاً في ذلك، فعليه اليوم أن يثبت نفسه من خلال بذل جهود مضاعفة في طريق تحرير البلاد من دائها الكبير، فهذا هو السبيل الوحيد لنيل الاحترام، لا سواه.
في السبت 03 فبراير-شباط 2024 10:26:24 م