|
نسفت الجريمة التي قام بها الحوثيون في رداع، والتي هي امتداد لجرائمهم السابقة وجرائم الإمامة عبر التاريخ كل الدعاية التي حاولوا فيها أن يغسلوا جرائمهم من خلال التمسح بالقضية الفلسطينية، وقد ذهب محمد البخيتي وبعض قيادات الميليشيا إلى رداع وجاءوا بشخص يقول: نحن مع المسيرة ومع السيد القائد!
ومع أنهم هم من قام بالتصوير والترويج لما قاله هذا الشخص الذي اختاروه بعناية لهدف لا يخفى على لبيب، إلا أن بعض ناشطي الشرعية تعامل معه وكأنه موقف أقارب الضحايا وأهل رداع، بل والشعب اليمني، وبدأ بعضهم يهاجم الشعب ويسخر من مواقفه ويصفه بالانبطاح و"الزنبلة".
وهو موقف ينم عن جهل وإحباط، فالشعب اليمني هو عدو الحوثية، وهو المعول عليه القضاء عليها مهما بدا منحنيا للعاصفة لأسباب كثيرة تتعلق بالنخب الحاكمة وخذلانها له، وليت هؤلاء تعلموا من أبي الأحرار الشهيد محمد محمود الزبيري، ففي سنة 48م قاموا بثورة من أجل الشعب، وهي ثورة قامت بها نخبة كانت بمعيار ذلك الوقت هي المستفيدة من الإمام، لكنها ضحت بكل شيء من أجل الشعب المغلوب على أمره.
وما هي إلا ثلاثة أسابيع فقط حتى سقطت حكومة الثورة والتف الشعب حول الطاغية أحمد حميد الدين، الذي أباح لهم صنعاء وطارد الأحرار والثوار وقتل من قتل منهم وزج بآخرين في سجن نافع الرهيب، ونجا الزبيري بأعجوبة وهاجر إلى باكستان شريدا طريدا وكان يبيع الأقفال ليقتات بقايا الخبز المرتجع وسكن في كوخ، لكنه لم يندم على ما فعل وإنما قال:
نحن هدينا الناس من جهالة
وما علينا إن هموا لم يهتدوا
نحن زرعنا وسقينا زرعنا
دما ويأتي غيرنا من يحصد
الأهم من ذلك وهو ما ينبغي أن نستفيد منه أن الزبيري عمل مراجعات لأسباب فشل الثورة، وحمل نفسه وزملاءه السبب أنهم عجزوا عن التواصل مع الشعب وإقناعه قبل وأثناء الثورة وأعلنها صريحة مدوية أنه لم ولن يفقد ثقته بالشعب، فقال رحمه الله:
وآمنت بالشعب حتى وقد
رآه الورى جثة هامدة
تداعى حواليه أعداؤه
ليقتسموه على المائدة
فهذا بشلو شهيد يعيث
وذاك يساوم في الفائدة
وذا لليتامى يهز السياط
لتعبث بالجثث الراقدة
وكم من وليد حذار الحمام
رأى نفسه صافعاً والده
وآمنت بالشعب يوم جثا
أمام الطغاة على ركبتيه
ويوم انبرى في ذهول الهوان
يرمي مكاسبه من يديه
ويوم مددنا شعاع الصباح
له فانزوى.. وحمى مقلتيه
ويوم عصرنا رقاب الطغاة
وسقناهم كالجواري إليه
فأطلقهم من هوان الإسار
ذئاباً علينا صِلالاً عليه
هو الشعب.. حق مشيآتُه
صواب ورشد خطيآته
له نبضنا وأحاسيسنا
فما نحن إلا نباتاته
له دمنا وله دمعنا
يغذّى عليه ويقتاتنا
يحطم بالموت زهر الحياة
منا لتَصلُب شوكاته... الخ.
أما نثرا فقد كتب دراسة نقدية عميقة نشرت في كتاب بعنوان "المنطلقات النظرية في فكر الثورة اليمنية"، وهو مطبوع منشور، ما أحرانا أن نقرأه ونعيه، وقد بدأ قادة الحركة الوطنية منذ الخمسينات بنسج العلاقات مع القبائل اليمنية ومشايخها الكبار، وكان لذلك أكبر الأثر في نجاح ثورة 26 سبتمبر 1962، والوقوف ضد الإمامة وحربها في السنوات السبع.
واليوم نسخر من هذا الشعب العظيم الذي تركناه لقطعان الإمامة، وهربنا لننجو بأنفسنا لمجرد أن شخصا أو جماعة قالوا إنهم مع الحوثي!!
يا قافلة عاد المراحل طوال.. وعاد وجه الليل عابس.
في الأحد 24 مارس - آذار 2024 01:00:08 ص