|
انطلقنا قبيل العصر من مدينة عدن والوجهة صوب العاصمة صنعاء لحضور "مؤتمر الوحدة والسلام"، كانت الحافلة ممتلئة بشباب من مدينة عدن وكنت يومها في عمر السابعة عشر.
وصلنا مثلث العند في حدود الرابعة عصرا وهناك تم إيقاف الحافلة وإنزال جميع الركاب والتفتيش الدقيق وإحاطة الحافلة بالأطقم وتصويب رشاشتها صوب الحافلة وكأنها ساحة حرب.
استمرت المفاوضات حتى السابعة مساء، كانوا يعلمون جيدا أن من بداخل الحافلة شباب مسالم متجهون لحضور فعالية ختام مؤتمر عنوانه الوحدة والسلام، أظن التاريخ كان اليوم الأخير في العام التالي لتحقيق الوحدة 1991م.
سمح لنا بعد ما يزيد عن ثلاث ساعات من التأخير المستفز بمواصلة السير، في منتصف الليل، أي في أول ساعات العام الميلادي الجديد، تناولنا العشاء في ذمار، ولك أن تتخيل ذمار في الفاتح من يناير ببردها الشديد، لكن الشوق لصنعاء ولحضور الحشد المهيب كان يهون وعثاء السفر.
وفي الهزيع الأخير من الليل كنا في صعود "نقيل يسلح"، الذي عجزت فيه الحافلة عن مواصلة المسير لنقضي ما تبقى من ليلة راس السنة في برد نقيل يسلح القارس في محاولة لإصلاح العطل.
وبدأ القلق يساورنا في احتمال التخلف عن هدفنا المنشود بحضور الختام المهيب للمؤتمر الذي دعا له ورأسه الشيخ عبدالمجيد الزنداني، وكانت رغبة اللقاء والسماع من الرجل الذي كان اسمه يتردد في كل مكان وأحاديثه المسجلة يتبادلها الناس في كل مكان تحدونا للتسلي بقول المقالح: لابد من صنعاء وإن طال السفر.
أشرقت شمس أول أيام السنة على تلال النقيل حاملة معها بعض الدفء، ومعها انطلقتا صوب صنعاء، وتحديدا إلى ملعب الثورة الذي ضاقت أرضيته ومدرجاته بالحشود المهيبة، وفيهم قام الشيخ عبدالمجيد الزنداني خطيبا يتحدث عن المؤتمر ووثائقه ومنها وثيقة "نصرة المظلوم".
وكنا لا زلنا نشعر بالظلم والتعسف الذي تعرضنا له في طريقنا نحو المؤتمر، فظفرنا عقب المهرجان في لقاء مع الشيخ عبدالمجيد، وشرحنا له مظلوميتنا وأن يكون للمؤتمر موقف فتحدث الرجل بخطاب متزن وأن ما حدث يمكن معالجته بهدوء وربما أن هذا الخطاب لم يلامس حماسة بعضنا كشباب أحداث.
هو اللقاء الأول مع الشيخ عبدالمجيد الزنداني، الذي أكد المؤكد أننا أمام شخصية فذة ورجل جمع المهابة وحسن الحديث وروح تواقة لرؤية يمن ينعم بالخير والسلام خصوصا وقد اجتمع شمل أبناء اليمن من جديد.
للشيخ عبدالمجيد مبادرات كثيرة متعددة ومتنوعة فطبيعته رجل مبادر لا يكتفي بالقول، ربما نتفق مع بعض تلك المبادرات أو نختلف، لكن من يعمل سيحسن أحيانا ويخطئ في أخرى.
استحضار ذلك الموقف المهيب في استاد الثورة في صنعاء ومقارنته برحيل الشيخ ودفنه في بلاد الترك أمر يبعث على الحزن على حال اليمن، وهنا تقترن صورة الشيخ عبدالمجيد، الذي كانت جامعته ومنزله هي هدف المليشيا الأول مع صورة الشيخ محمد سالم البيحاني، الذي أجبر على ترك مدينته المحبوبة عدن ومعهده العامر ليلقى ربه بعيدا عنهما، وهو درب المصلحين ودأبهم على الدوام.
في الأحد 28 إبريل-نيسان 2024 09:32:57 م