|
لسنوات طويلة، أقنعت إسرائيل العالم "المتنفذ" بأن أمنها مرتبط ارتباطاً وجوبياً بشطب فلسطين من الخارطة السياسية، دون أن يسألها هذا العالم عن مصير خمسة مليون فلسطيني.. ترك الاجابة على السؤال لـ"ديمقراطيتها"، وتقديراتها، وسلاحها المتفوق، وغرورها، وللعهد القديم المحرف عن مواضعه، ولـ"مظلوميتها" التي كانت تلوح بها في وجه كل من "يتطاول" على "حقها التاريخي في أرض الميعاد".
ولسنوات أخرى، عهدت إيران إلى حرسها الثوري وأتباعه أن تجعل من قضية فلسطين طاقية إخفاء لمشروعها التوسعي الإقليمي، الذي اخترقت به الدولة الوطنية في كثير من دول المنطقة العربية، وجَعْلِها رافعة للأذرع المسلحة الطائفية التي شكلتها للدفاع عن أمنها القومي.
اليوم تتجلى هذه الحقيقة في أنصع صورها، فالعالم الذي أذهله صمود غزة في وجه وحشية الاحتلال الإسرائيلي، وأخذ ضميره يصحو ويأخذ موقفاً إيجابياً من قيام دولة فلسطين بعد كل هذه التضحيات، يتعثر بالضوضاء التي تحدثها إيران وأذرعها بتوظيف قضية فلسطين لصالح ذلك المشروع، وراح يعيد بناء حساباته من منطلقات تذهب به إلى مربعات الاستقطاب التي تتشكل بأدوات تقترب بها من الحرب الباردة بمظهرها القديم ودوافعها ومنظومتها الجديدة.
مقتل هنية، على ذلك النحو المأساوي، وبمثل ذلك الغموض الذي لا يعرف سره سوى اثنين "إسرائيل وإيران"، هو عمل يستهدف قضية فلسطين بدرجة رئيسية، بمعنى ضياعها في "صراع" يحول هذه القضية من قلب المشهد إلى زاوية بعيدة في المشهد، تماماً مثلما يعمل الحوثيون مع قضية اليمن.
إسرائيل وإيران ترسمان خارطة المنطقة بما يتفق مع حاجة أمنهما، وتوظفان قضية فلسطين، ومعها التداعيات الناشئة عن التدخل الإيراني في البلاد العربية وما تتعرض له من حروب، ودمار، وضياع مستقبل بتحويلها إلى ساحات مواجهة بين البلدين. قصف ميناء الحديدة، وتنطع الحوثي فوق ذلك الجزء المستباح من اليمن نموذجاً.
في الأربعاء 07 أغسطس-آب 2024 09:15:44 م