|
الصباح اليوم مختلف والشمس مختلفة أيضاً يا تعز، بعد محرقة الكاتيوشا أمس صار كل شيء مختلفاً، ما قبل المحرقة لا يشبه ما بعدها.
هل استطاعت الأرض أمنا أن تشرب دمنا المسفوح غدراً، هل فعلاً دماء الشهداء جفت؟ كل البيوت المحطمة والمهشمة هل مازال فيها حياة؟ الشوارع، الأزقة، والحارات العتيقة التي تلقت صلية الكاتيوشا هل مازالت تنبض بالحياة؟
هل الحياة مستمرة فيك يا تعز؟ هل خرج العمال اليوم باكراً يبحثون عن الله وفضله ككل أيام الدهر؟ باعة الخضار والدجاج والمتسولون هل مازالوا يمارسون طقوس الصباح وبرغم الفقر كانوا يضحكون، فهل ضحكوا اليوم من الموت المعمد بالكراهية؟
أمهات الشهداء هل استيقظن على الوجع والفقد والدم والدمع وهل نمن أصلا؟ جرحانا هل أفاقوا أم أن مهدئات الألم معدومة بعد البندول؟
كل حكايا الشوق والدهشة في هذه المدينة لن تختف، ولو اختفت كل الأحياء والشوارع، فثمة أرواح تحلق هناك لم تعد مهتمة بالموت لكنها ترقب الحياة وتسعد وتحزن كما لو أنها عايشة وليست مجرد حية في الخلود.
تعرضت تعز على مدى تاريخها لهزات عنيفة لكنها كانت الأقدر على التغيير دوما، فتعز هي الحياة لبلد حاول الانتحار ألف مرة، تعز هي من علمت الشمال الرسم بالكلمات وتطابق الهندام وأساسيات الانتظام، وهي من علمت الجنوب أسس الأيديولوجيا العلمية وكيف يقفون بالطابور صفاً ويهتفون التحية لماو.
يا عصية على الإنكسار، يا مرهفة الحس، يا مدينة الحب والشجن، يا وردة الحقول يا نجمة السماء يا لؤلؤة البحر، يا ذات الهواء والبرود، يا أم السفرجل والفرسك والمنجا والبلس والجبن والمشقر، صباحك سيظل الأجمل وهوائك سيظل الأكثر عبقا وتاريخا وحضارة.
نصرك المخضب بالدم وهو الحقيقة الماثلة بين كل هذه الأكوام من الكذب والارتزاق والخذلان، لا تحزني يا مدينتي فالأيام تعدك لما هو أهم، أما بالنسبة لي فالأمور واضحة وقد اتخذتك من قبل معبداً أبدياً لروحي الهائمة في الملكوت، و يكفيك اليوم أنك عز اليمن وعزوتها، فعندما اختفى الجميع زاد بريقك الأخاذ..
في الجمعة 23 أكتوبر-تشرين الأول 2015 02:27:50 م