|
في وقت سابق كنت قد حاولت مقاربة الدور الإماراتي في اليمن، وما توقعت أن هذا البلد الذي ألقى بثقله العسكري والسياسي خلف معركة إجهاض الانقلاب في اليمن واستعادة الدولة، سوف يجازف في استنبات المخاطر أمام دوره، وتوليد خصوم يقفون إلى جانبه ويتقدمون جيشه ويتحملون عبئ المواجهات الأقسى والأكثر شراسة مع الانقلابيين، الذين يقاتلون بإمكانية جيش دولة وبترسانة أسلحة تم بناؤها على مدى أربعة عقود من الزمن.
ثمة أسئلة تحتاج إلى إجابات ملحة، من قبيل: لماذا أعلنت الإمارات الحرب على شركاء المعركة فيما لا تزال هذه المعركة في منتصف الطريق. وما الذي يعنيه تبني هذا الموقف الحدي من التجمع اليمني للإصلاح الذي يتواجد قادته في محيط الرئيس، ويقيم معظمهم في الرياض التي تقود التحالف العربي، ويمضي أعضاؤه في حرب ميدانية هم عمودها في مواجهة الانقلابيين؟
لا ينكر دور الإمارات في اليمن إلا جاحد، لكن ما يثير الاستغراب هو أن هذا البلد يظهر إصراراً عجيباً على تصعيب دوره والإساءة إلى هذا الدور بمحاولة الفرز اليائسة بين مكونات المقاومة الشعبية، حدث هذا في عدن، حيث اضطرت المقاومة المحسوبة على الإصلاح، إلى أن تحيد نفسها في وقت أفسحت فيه الإمارات لقوى الحراك الجنوبي لكي تتسيد المشهد، فكانت النتيجة أن نجح المخلوع صالح والحوثيون في تمرير أجندتهما التي ظهرت مع كل حركة نزق وطيش أقدمت عليه بعض عناصر هذا الحراك، ما أصاب المنشآت الحيوية في عدن بالشلل التام.
محافظة تعز، توجه إليها اليوم طعناتٌ غادرة، فالحصار والدمار الذي يطالها منذ ثمانية أشهر تقريباً، يعود جزء من أسباب إطالته والسكوت الخبيث عليه، إلى بعض المواقف التي تفتقد إلى الرشد، حيث يفترض البعض أن تحرير تعز سيمكن المقاومة التي ينتمي معظمها إلى الإصلاح من جني ثمار تدخل التحالف العربي.
حقاً هذا أمر يدعو إلى الاستغراب، فتدخل التحالف العربي، كان بسبب سوء التقدير الذي جعل معظم أطراف التحالف يتبنون موقفاً سلبياً من حكومة الوفاق الوطني لمجرد أن فيها ثلاثة وزراء من الإصلاح، فكانت النتيجة أن سقطت صنعاء واليمن بيد النفوذ الإيراني ما استدعى هذا التدخل العسكري المكلف جداً.
واليوم يجري إعمال معايير ما قبل سقوط صنعاء، ضد أطراف هي اليوم أكثر من يضحي في الميدان، ويتكامل مع التحالف العربي في الأدوار وفي مهمة تقويض الانقلاب واستعادة الدولة.
لا يوجد سببٌ مدعومٌ بالأدلة يبرر هذا الهجوم الذي تتعرض له المقاومة في تعز، إلى درجة أنه جرى تنصيب مقاومة لا علاقة لها بالميدان.. ومع ذلك لا أعتقد أن الإصلاح سيتردد في التضحية من أجل إنهاء معاناة تعز، وليس في وارد تقاسم محصلة الحرب فيما لا تزال المعركة في منتصف الطريق.
يا إلهي ما هذا الشطط الذي لا يستقيم مع عقل.. وكيف يمضي البعض في تفكيك الجبهة قبل استكمال المهمة، ولماذا يجري إغفال أمر مهم وهو أن حاجة المرحلة المقبلة ملحة جداً لتماسك الجبهة التي تقاتل الانقلابيين، لأن مهمة البناء أكثر صعوبة ووعورة من مهمة الحرب نفسها.
مقاومة تعز أعلنت أكثر من مرة أنها ستسلم سلاحها فور الانتهاء من مهمة التحرير، وقد سارعت إلى تسليم المواقع الرسمية للجيش والأمن في المحافظة، تحت أنظار الجميع.
لا يمكن لليمن أن يعيش في ظل الإقصاء الأيديولوجي الذي تحاول أبو ظبي فرضه في اليمن، فاليمن وفق مرجعيات الحل السياسي المدعومة إقليميا ودولياً، هو بلد ديمقراطي تعددي ومبدأه الأساسي هو الشراكة الوطنية، والجريمة التي ارتكبها الانقلابيون أنهم مارسوا هذا الإقصاء ضد شركاء الوطن ونالوا من كرامتهم، ولا أعتقد أن الإمارات جاءت أصلاً لتستكمل الدور الذي بدأته المليشيا الانقلابية.. هذا لا يعقل !
في الأربعاء 25 نوفمبر-تشرين الثاني 2015 04:55:48 م