11 فبراير ما بين الأمس واليوم
ياسر الرعيني
ياسر الرعيني



11 من فبراير 2011م الثورة الشبابية الشعبية السلمية تاريخ يضاف إلى الرصيد الوطني على امتداد تاريخ الحركة الوطنية واستكمال مسار النضال الوطني للثورة اليمنية سبتمبر وأكتوبر.
ثورة فبراير التي نحتفي اليوم بذكراها الخامسة، أعادت للنضال الوطني شموخه وعزته، وتميزت بأدواتها السلمية والمدنية يقودها جيل واع بطموحه، ورائد بأهدافه وبجموع هادرة من كل فئات المجتمع وفعالياته السياسية.
لقد استمدت الثورة الشبابية الشعبية السلمية قوتها من مبادئ الثورة اليمنية سبتمبر وأكتوبر وعزيمة وإصرار كل رواد الحركة الوطنية والنضالات الثورية، إلى جانب معطيات الواقع المعاصر والتطور في الوسائل الحديثة بالتعبير من خلالها عن الرأي بالطرق السلمية المكفولة دستورياً وقانونياً في إطار مناخ مدني يضمن تحقيق التطلع المنشود في التغيير للانتقال إلى حالة جديدة شكلاً ومضموناً على المستويين الفردي والمجتمعي تتحرر خلالها إرادة أبناء الوطن من الخوف والاستبداد والظلم ويُبنى فيها الوطن بأسس مدنية قائمة على الشراكة وتكافؤ الفرص والعدالة والمواطنة.
الـ 11 من فبراير أعز أيامنا وأعيادنا الثورية التي تميزت بمميزات عديدة عكست النضج السياسي والثقافي للمجتمع وتوحدت الرؤية باتجاه بناء الدولة المدنية الحديثة والتي التفت حولها كل المكونات السياسية وفئات المجتمع بما فيها القوى التقليدية التي أعلنت موقفها الداعم والمؤيد لثورة الشباب والإيمان بمبادئ الثورة الشبابية الشعبية السلمية، والإجماع الوطني لرفض شرعية التسلط التي جعلت الحاكم هو الدستور والقانون.
لقد كان للزخم الثوري لثورة فبراير والذي لم يشهد له التاريخ الوطني مثيلاً، أبعاداً ساهمت في بلورة وعي اجتماعي بضرورة بناء مجتمع مدني يدعم بناء اليمن الجديد بمسؤولية وإدارك لواجباته وحقوقه ودوره المؤثر في نجاح بناء الدولة في إطار هذا المعنى الذي تجاوز كل مؤثرات ذوبان الجهود ورهنها لأي تأثيرات حتى ما يتعلق منها بالجانب الايديولوجي.
وعلى الرغم مما حققته الثورة الشبابية الشعبية السلمية من إنجازات إلا أن البعض يرى أن تلك الانجازات ليست عند المستوى المطلوب أو كما يقال " ليست في وزن الحدث" أمام ما كان يتطلع إليه أبناء الوطن.
دونما اعتبار لكل الأحداث التي شهدها الوطن منذ اندلاع الثورة والتحديات الكبيرة التي واجهتها ولا تزال ..
وباستعراض مسار تلك الأحداث فإن المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية التي هدفت إلى تحقيق الانتقال السلمي للسلطة مع تجنيب الوطن الانهيار والدمار وما تضمنتها من محطات وصولاً إلى مؤتمر الحوار الوطني الشامل الذي كان نموذجاً رائداً شهد لنجاحه الداخل والخارج، ومثل تجربة فريدة في المنطقة ككل، وأثمر في مخرجات توافقيه لأول مرة في تاريخ الوطن شملت معالجات لكل اختلالات الماضي وإرساء قواعد بناء المستقبل الأفضل.
ولم تكن أجندة الفترة الانتقالية بتلك السهولة أمام نشاط الثورة المضادة التي عملت على محاولة إعاقة نجاح التسوية السياسية ووضع العراقيل أمام تنفيذ مخرجات الحوار الوطني الشامل، ساعد في نجاح مساعيها عوامل عدة فرضتها مخلفات التحالفات التقليدية وصراع النفوذ والتي خلقت مناخاً مأزوماً، بالتزامن مع متغيرات إقليمية استثمرت تداعياتها الثورة المضادة، واستغلت كل مقدرات الدولة عبر ما يسمى بالدولة العميقة، وسعت عبر وسائل الإعلام لتهيئة الشارع لتقبل الإنقلاب ومحاولة إبراز مخططاتها على اعتبار كونه صراع بين أطراف، والادعاء بالسعي لمحاربة الفساد، وسرعان ما انكشف غطاء مخططهم التآمري الرجعي البغيض.
ورغم تعقيدات المشهد الذي خلفه الانقلاب، إلا أنه مثّل دليلاً واقعياً لمدى الحاجة إلى الثورة الشبابية الشعبية السلمية على نظام فاشل فاسد مستأثر بالسلطة والثروة غير مكترث بالوطن أرضا وإنسانا، وكشف عقلية الانقلابيين وتشبثهم بالسلطة كحق وملكية خاصة، والتضحية في سبيل ذلك بالعقيدة والفكر والوطن والإنسان.
وأظهر الانقلاب ألاعيب النظام السابق وسياساته الفاشلة على المستويين الداخلي والخارجي..
كما كشف عن حجم الأحقاد والأدران التي كانت تتأجج داخل جسد الدولة والوطن لتنفجر كلها في وقت واحد معلنة البراءة من الثورة والنظام والجمهورية متمترسة خلف ماض الظلم والاستبداد والتخلف والظلام كاشفة عن أوجاع تأجل علاجها كثيرا ..
وكما كان حال النظام الإمامي البائد فقد أعادت الثورة المضادة للواجهة اللغة القديمة للرجعيين التي ترفع شعار" استعن على عدوك بالشيطان، والشيطان رمز للأقوى والأغلب".
فعمد المخلوع صالح إلى قوى الظلام لإحياء صراعها القديم مع الجمهورية والوطن وساهم معها في محاولة القضاء ليس على الثورة فحسب بل على كافة القيم الوطنية والجمهورية والانسانية، والانقضاض على الدولة ومؤسساتها بقوة السلاح.
ولأن الشعب حي لا يموت وذاكرته كذلك فقد أخفق التحالف الانقلابي أمام إرادة شعب متشبع بالوطنية والقيم الثورية التي قارعت الظلم والاستبداد والكهنوت والتخلف على امتداد تاريخ الحركة الوطنية.
ففيما يبدو الشعب وهو يدافع عن استعادة الدولة ومساندة الشرعية، فإنه يساهم في تهيئة المناخات الملائمة لتطهير الوطن من القوى الظلامية واستكمال تحقيق أهداف الثورة الشبابية الشعبية السلمية، ويحفر قبر الرجعية لدفنها إلى الأبد ومعها كل مخططات وسياسات النظام السابق الفاشلة التي مثلت بيئة حاضنة لإعادة إنتاج الرجعية لنفسها، وعززت تنامي صراع النفوذ الذي تقلدته القوى التقليدية التي تؤمن فقط بمصالحها الخاصة دون أي اعتبار للمصلحة الوطنية العليا، أو قبول من قريب أو من بعيد للتحديث والتطور، فكانت السبب الأبرز لأعاقة الطريق أمام بناء الدولة المدنية الحديثة.
وفي الذكرى الخامسة تكاد الصورة تكون قد اكتملت لدى كل أفراد المجتمع حتى ممن كان يعارض الثورة .. بحتمية وضرورة الثورة وأهميتها لإنقاذ الوطن من الانهيار والدمار وتكريس مشاريع التخلف والاستبداد والاستئثار بالثروة والسلطة وزرع بؤر الصراع التي ينشغل الشعب فيها عن البحث في تنمية حاضره ومستقبله ..
وما يجري الان صورة حية لامتداد سياسات نظام العائلة الفاسد المستبد الذي خرجت عليه الثورة وطالبت برحيله وبناء اليمن الجديد على أسس ومبادئ الشراكة والعدالة والمساواة والحكم الرشيد ...
كما تثبت الذكرى الخامسة وهي تشهد هذا النضال الوطني للشباب في مختلف أرجاء الوطن لاستعادة دولتهم المسلوبة .. قدرتهم على استكمال مسيرة النضال الوطني، وتحقيق المستقبل المنشود وصون الوطن من مشاريع الفرقة والشتات ونوازع الطائفية والمذهبية والرجعية المقيتة ..
إن من أهم المبادئ والقيم التي جاءت بها ثورة فبراير عدم إقصاء أي طرف او إبعادهم او الانتقاص منهم ومن تضحياتهم ما دامت أفعالهم وأقوالهم مع الوطن، وما دام حاضرهم مع الوطن والقانون مرجع الجميع وحاكم عليه، كما أن الثورة لا تعطي صكوك غفران لأي كان أو تمنحه حصانة المساءلة والمحاسبة على اقتراف الأخطاء ومخالفة القانون إن سابقا أو لاحقا فلا يوجد أحد فوق النظام والقانون.
ان جيل فبراير ليؤمن وهو في الذكرى الخامسة لانطلاق ثورة فبراير المجيدة بأن اهداف الثورة ستتحقق كاملة غير منقوصة طال الزمن او قصر لكنها اليوم أقرب بكثير مما كانت عليه في السابق، ويدرك حقيقة التحديات التي يمر بها ويعمل مع كافة الوطنيين على إعادة الاعتبار للجمهورية وإرساء قيم الحرية والعدالة والمواطنة وبناء دولة النظام والقانون وفقا لمخرجات الحوار الوطني الشامل.
ولاشك بإن الحضور الأبرز في ذكرى ثورة فبراير العظيمة هو لشهداءها الأبطال وجرحاها الميامين ومعتقلوها الصامدون .. والتي تمثل تضحياتهم الوقود الحقيقي لاستمرار مسيرة الثورة حتى تحقيق كامل أهدافها..وإنها لثورة حتى النصر وذلك عهد قطعناه على أنفسنا مهما كانت التضحيات ..
فاستكمال المسار الثوري واستمراره هو الضامن الحقيقي للتخلص من الرجعية والاستبداد وتحقيق تطلعات الشعب اليمني في التغيير وبناء اليمن الجديد والانتصار الحقيقي لنضال وتضحيات الإرادة الوطنية.
---------
*وزير الدولة للشؤون مخرجات الحوار الوطني

في الخميس 11 فبراير-شباط 2016 05:01:16 م

تجد هذا المقال في سهيل نت
https://suhail.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://suhail.net/articles.php?id=233