العلاقات اليمنية الإيرانية (1)
محمد عزان
محمد عزان


لحديث عن المساحة الجغرافية التي تعرف اليوم بـ(إيران) لم تكن معروفة بهذا الاسم قبل عام 1935م، ولكنها كانت كغيرها من البلدان التي تواردت عليها قوميات مختلفة، وحكمتها قبل الإسلام سلالات وعرقيات شتى من (الميديون) إلى (الساسانيين)، على أنه لم يكن لها عنوان جغرافي أو عرقي واحد.
ولكننا نستطيع أن نؤرخ جذور دولة إيران الحديثة من بداية القرن الرابع الهجري حينما حكم «البويهيون» منطقة غرب إيران منذ عام (321هـ) وامتد حكمهم حتى سيطروا على أمر الخلافة في بغداد عام (338هـ) واستمر حكمهم أكثر من مائة سنة حتى انتهى بسيطرة السلاجقة على مملكتهم (447هـ)، وكانوا قد توسعوا حتى وصلوا أفغانستان شرقاً وبلاد الشام غرباً وسيطروا على ضفتي الخليج العربي وصولا إلى عُمان.
ولما كان البويهيون ينحدرون من أصول فارسية، والحال أن الخلافة محسومة في التراث الديني العام لصالح قريش، فقد تعاملوا مع المزاج السياسي السني بأن تركوا خلفاء بني العباس (القرشيين) في صورة الخلافة بعد نزع صلاحياتهم، أما الحضور الشيعي في بلاد المشرق والعراق فكان أول ظهور فيه هو للزيدية من أبناء علي بن أبي طالب الهاربين من بطش العباسيين عام (250هـ)، وقد استطاع البويهيون احتواءهم، بترك الرمزية الروحية والزعامة الدينية لهم، وخاطبوهم بالأئمة على أنهم خلفاء الرسول، مستفيدين في نفس الوقت من الخصومة العلوية العباسية.
بيد أن طبيعة الفكر السياسي لدى الزيدية كان يقلق البويهيين، فالزيود يرون أن الشخص المؤهل من أبناء علي هو الأولى بتولي الشأن السياسي وليس الديني فقط، خصوصاً بعد الجدل العباسي الأموي ثم الجدل العباسي العلوي حول ما يُعبرون عنه بـ«منصب الإمامة» في أي أسرة من قريش تكون.
صراع الدول الطائفية على إيران
وقد تميز البويهيون بأنهم كانوا براغماتيين يكيفون مواقفهم وفق مصلحتهم السياسية، ويكتشفون ذلك وفق دراسات متخصصة ينفذها ما يشبه مراكز الدراسات اليوم، والتي خلصت إلى أن للعاطفة الدينية حضور مميز في وجدان الجماهير، وأن المزاج المذهبي هو الوحيد القادر على ضبط المشاعر الدينية والتحكم فيها. كما خلصت إلى أن الخط الشيعي البارد سياسياً المتمثل في الإمامية الإثني عشرية هو ما يحسن العمل على جعله المزاج العام للجمهور، فهو يتمثل في فكرة حصر الإمامة في اثني عشر شخصاً آخرهم غائب مختفى ولن يعود إلا في آخر الدّهر، هذه الفكرة كانت الأنسب للبويهين من أي فكرة أخرى، فالإمام غائب ويكفي الناس أن يعلنوا وﻻءهم له، ويتصرفون في الحياة السياسية باسمه، فلا ثورات وﻻ منافسين. لذلك مهدوا للمذهب الشيعي الاثني عشري ورفعوا أعلامه، وهو الذي ساعدهم على السيطرة على بلاد المشرق التي كانت بعيدة عن أرض الحَدَث ومعترك الجدل، وكان العلويون أول من وصل إليهم من بلاد العراق مطاردين من بني العباس، فأقاموا في بلادهم وقدموا لهم روايات وقصصاً عاطفية عن أهل البيت مما سهل تشكيل ثقافتهم الدينية ومزاجهم المذهبي. وذلك ما ظلت جذوره بجميع تفاصيلها إلى اليوم.
وعلى أنقاض «البويهيين» قامت سلطة «الغزنويين»، ثم دولة «السلاجقة» التي ظهرت عام (429هـ) وسيطرت على مناطق واسعة من آسيا كان منها إيران وأفغانستان مرورا بالعراق والشام وصولا إلى الأناضول، وكانت دولة السلاجقة ذات توجه سني متشدد استهدفت الشيعة في هضبة إيران وضيقت عليهم حتى بلغ الضعف بالشيعة كل مبلغ، وكادت معالمهم أن تُطمس في تلك الديار.
وفي عام (552 هـ) تفكَّكت الدولة إلى ولايات منفصلةٍ وضعفت، وفي ظل ذلك استعاد الشيعة نشاطهم في إيران، وظهرت دولة «القجار» ثم «الصفويين» اللتين أمسكوا بالأمر وفرضوا المذهب الاثني عشري على ما سواه واستمرت حتى قيام دولة إيران الحديثة.
وفي ظل دولة الصفويين تعرض الشيعة الزيديين للمضايقات، حتى أن بعض المؤرخين يتحدث عن أن أوسع عملية تصفية للزيدية في إيران كانت على أيدي القجار والصفويين وهي ما أدت إلى اختفاء الزيدية في تلك الانحاء، والقضاء على تراثهم، على الرغم من أنه كان الأقدم وجوداً والأكثر حضورا منذ قدوم الحسن ومحمد ابني زيد بن الحسن سنة (250هـ) إلى بلاد طبرستان وتأسيهما أول دولة خارج السيطرة العباسية.
وهذا ما يجعلنا نقدر أن هاجس التوسعي الإيراني في المحيط العربي اليوم مرتبط بهاجس الجغرافيا التاريخية، والأيدلوجية المذهبية، أكثر من أمجاد الامبراطورية الفارسية التي لم تكن الأعظم ولا الأوسع في تاريخ إيران.
....يتبع في الاسبوع القادم

في الأربعاء 30 مارس - آذار 2016 04:15:22 م

تجد هذا المقال في سهيل نت
https://suhail.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://suhail.net/articles.php?id=274