|
عقبات السلام أكبر من أن تُعد وتحصى، وهذا لا علاقة له بالتفاؤل أو التشاؤم، وإنما تحليل لواقع نراه أمامنا يبدأ من الخلاف حول مرجعيات التسوية المتفق عليها أصلا ويريد الانقلابيون الالتفاف عليها وليس انتهاء بشياطين التفاصيل الكثيرة عند الخوض فيها والتي وستقود لمتاهة لا أفق لها.
نبدأ من التذكير بمرجعيات التسوية وهي ثلاث الأولى وطنية وتتمثل بمخرجات الحوار الوطني والتي شارك فيها الحوثيون وحزب صالح، والثانية إقليمية وهي المبادرة الخليجية التي احتوت ثورة 11 فبراير 2011 بتسوية سياسية، والثالثة قرارات مجلس الأمن الخاصة باليمن وفي مقدمتها القرار 2216 الصادر تحت الفصل السابع.
في مواقف الأطراف المختلفة من هذه المرجعيات تبرز تناقضات ومحاولات الالتفاف عليها وإضافة مرجعية جديدة لها وهذا يمثل اختبارا حقيقيا وجديا لموقف المبعوث الأممي المعني بالإشراف على تسهيل تنفيذ هذه المرجعيات وخاصة القرارات الدولية وليس تجاوزها، فضلا عن مواقف الدول الـ18 المعنية بالتسوية في اليمن والتي هي المطالبة بالضغط على الطرف المعرقل للالتزامات والتسوية.
السلطة الشرعية ومعها التحالف العربي والمجتمع الدولي تتمسك بهذه المرجعيات وتعتبرها أساس السلام المنشود القائم على الالتزام بتنفيذ كل الأطراف لبنود قرار مجلس الأمن 2216 باعتباره خارطة طريق لعودة مؤسسات الدولة ثم عملية سياسية لاحقة تدعمها مخرجات الحوار الوطني التي أوجدت حلولا لكافة مشاكل البلاد.
بشكل واضح وقطعي، أكد رئيس وفد الحكومة الشرعية لمحادثات الكويت رفضه لأي تغيير في أجندة المحادثات المتفق عليها والمعروفة بالنقاط الخمس وهي الانسحاب من المحافظات والمدن وتسليم الأسلحة واستعادة مؤسسات الدولة والترتيبات الأمنية ومعالجة ملف المحتجزين السياسيين والمختطفين والأسرى والبحث بعد ذلك في خطوات استئناف العملية السياسية.
وهذه النقاط هي بالأصل بنود القرار 2216 الصادر في منتصف أبريل 2015 والذي يلزم الانقلابيين على تنفيذها دون قيد أو شرط ومع ذلك لم يفعلوا وواصلوا الحرب وتسببوا بكل الدمار والخراب للبلاد، وعند التفاوض يريدون الالتفاف عليها بجعلها مادة للتوافق قبل إقرارها أجندة للمحادثات.
وفي هذه الحالة لا غبار على موقف الوفد الحكومي ومن حقه التمسك بالنقاط الخمس المتوافق عليها ومناقشتها نقطة بالتدريج وكما هي متسلسلة دون أي التفاف وقبوله بأي تنازل عنها أو جزء منها أو الانتقال للنقاش بها دون الالتزام بالترتيب يعتبر تفريطا بحقوقه وتضحيات الشعب وتنازلات مجانية غير مقبولة للانقلابيين.
المحادثات تناقش كيفية استعادة الدولة بدءا بانسحاب المليشيات من المحافظات والمدن وتسليم الأسلحة المنهوبة وما تمتلكه وصولا لتمكين مؤسساتها سواء الحكومة أو الرئيس بالعودة لصنعاء لمزاولة مهامهما من هناك، وبعد ذلك يمكن الدخول في عملية سياسية تشمل شراكة بحكومة توافق ترتب لعملية انتقالية قادمة.
لسنا أمام عملية سياسية لأنها غير موجودة أصلا بعد انقلابهم عليها، كي نبحث تقاسم السلطة كما يطرح الانقلابيون الذين يريدون الانتقال إلى آخر النقاط وهي البدء بعملية سياسية تفضي لتشكيل حكومة يكونوا جزءا منها تشرف لاحقا على الانسحاب واستلام الأسلحة، وهذا التفاف على القرار الدولي وإفراغ العملية السياسية برمتها من مضمونها.
الأخطر من هذا محاولة الانقلابيين إضافة اتفاق السلم والشراكة الذي وقعت عليه القوى السياسية تحت الإكراه والقوة وشرعن للانقلاب عشية سيطرة الحوثيين على صنعاء في 21 سبتمبر 2014 وألغاه فيما الرئيس هادي ولا أحد يعترف به محليا ودوليا غيرهم.
وهنا يبرز دور ولد الشيخ لإلزام مختلف الأطراف على المحادثات وفق النقاط الخمس والمرجعيات الثلاث المعروفة، لكن ما بدا من خلال كلمته في الجلسة الافتتاحية مساء الخميس يشير إلى إنه يحاول التوفيق بين مواقف المتحاورين ولن ينجح في ذلك.
يقول ولد الشيخ إن "ورؤيتنا في الأمم المتحدة أن هذه النقاط غير متسلسلة في التنفيذ بل نرى أنه ستجري مناقشتها بشكل متواز في لجان عمل تدرس آليات تنفيذية بهدف التوصل إلى اتفاق واحد شامل يمهد لمسار سلمي ومنظم بناء على مبادرة مجلس التعاون الخليجي ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني".
يحاول المبعوث الأممي بهذه الرؤية التوفيق بين موقف الوفد الحكومي الذي يصر على النقاش من القضية الأولى حتى الخامسة بحسب ترتيبها، في حين يريد الانقلابيون البدء من الأخير بالخوض بعملية سياسية تؤدي إلى تشكيل حكومة وهكذا، على افتراض أنهم قد وافقوا على هذه النقاط، وأما إن كانوا مصرين على الاتفاق عليها أولا فهذا أمر آخر.
والهدف الثاني الذي يطمح له ولد الشيخ هو تحقيق أكبر قدر ممكن بأي نقطة على حده للبناء عليها في جولة محادثات قادمة، انطلاقا من أن هذه المحادثات لن تسفر عن اتفاق سياسي في ظل التباعد والاختلاف الكبير بين مواقف مختلف الأطراف.
وإذا ما افترضنا التوافق على أجندة المحادثات وانتقلنا لاستشراف مسار النقاش في التفاصيل سنجد الخلافات والتباعد أعمق وأكبر، سواء استمرار رفض الانقلابيين لشرعية الرئيس وحكومته وإصرارهم على تشكيل حكومة توافق تملك كامل الصلاحيات تتولى إدارة المرحلة الانتقالية.
أو رفضهم لتسليم الأسلحة تحت مبررات واهية وهي أن لا جهة يسلمون لها سلاحهم، عوضا عن انسحابهم في ظل تجنيد آلاف منهم في الجيش والأمن وبالتالي سيشترطون تولي هذه القوات مقاليد الأمور.
ستكون الأمور أكثر وضوحا خلال اليومين القادمين من المحادثات ومعرفة موقف كل طرف ورؤيته للسلام والحل على الأرض.
في الجمعة 22 إبريل-نيسان 2016 10:35:15 م