|
الأزمة اليمنية تتجه إلى أن تصبح أكثر تعقيداً وأشبه بالأزمة السورية، وهذا يعود في الأساس إلى جملة عوامل أهمها: غموض الموقف الدولي من الحوثيين ومن مسار الحل السياسي، ومآلاته مع ميل واضح إلى الإبقاء على الحوثيين كقوة مؤثرة.
العامل الثاني يتمثل في استمرار دولة الإمارات العربية المتحدة وهي الدولة الرئيسية الثانية في التحالف العربي، في توجيه مسار الأزمة نحو أهدافها الخاصة، وهي محاربة الإخوان المسلمين الذي يمثلهم ضمناً حزب التجمع اليمني للإصلاح الشريك الرئيسي للتحالف في مواجهة الحوثيين. إلى درجة أن وزير الشؤون الخارجية الإماراتي أنور قرقاش قال إن بلاده وجدت أدلة قطعية تثبت وجود صلات بين القاعدة والإصلاح في حضرموت.
تحرك الإمارات ضد القاعدة في حضرموت لم يكن يراد منه التحرر من الضغوطات الغربية، وتبديد الاتهامات التي تقول إن تدخل التحالف أدى إلى تقوية نفوذ القاعدة في اليمن، بل أرادت الإمارات من هذا التحرك التغطية كذلك على حربها الحقيقية التي تلاقي مساندة أمريكية قوية، مع توفر أنباء ذات مصداقية عن وصول وحدات أمريكية متخصصة في مكافحة الإرهاب إلى كل من المكلا إلى الجنوب الشرقي من اليمن وقاعدة العند في محافظة لحج بجنوب البلاد.
لا يوجد أسوأ من خلط الأوراق التي تدفع سورية اليوم ثمناً باهظا لسياسات من هذا النوع، حيث جرى شيطنة القوى الوطنية التي تقاتل نظام الأسد ووصمها بالإرهاب من أجل إبقاء سورية تراوح في هذه الحالة المزرية من الحرب والدماء.
وثمة مخاوف من أن محاولة تعقيد الأزمة اليمنية تهدف إلى إبقاء اليمن مستنقعاً تنشغل به قوى إقليمية مهمة كالسعودية، حتى لا يتم التفرغ للتعاطي بكفاءة مع مأساة الشعب السوري.
إذ لم تمر سوى أربعة أيام فقط على إنهاء الوفد الحكومي تعليق مشاركته في مشاورات الكويت، حتى أعلن المبعوث الأممي نفسه تعليق المشاورات المباشرة، احتجاجاً على الانسحاب المفاجئ لوفد الانقلابيين من اللجان الثلاث التي تشكلت لمناقشة القضايا السياسية والأمنية والمعتقلين.
موقف المبعوث الأممي هو المؤشر الأكثر سوء على المصير المتوقع لمشاورات الكويت التي تنبأ لها أمين عام حزب الله من بيروت بالفشل.
هذا يعني أن مشاورات الكويت استنفدت مهمتها ما لم يكن يُراد منها استنفاد كافة المبررات التي كانت تنفذ من خلالها التدخلات القوية من جانب القوى الغربية، والتي لا تزال حتى الآن ترى في الحوثيين شريكاً سياسياً في اليمن.
الاحتمال الآخر هو أن التحالف العربي وبعض القوى الدولية المؤثرة، يريدون من مشاورات الكويت أن تبقى غطاء لتحركٍ مواز ربما هو من سيحسم الموقف، دون التكهن بطبيعة هذا التحرك وعما إذا كان يأخذ بعين الاعتبار تفاهمات "ظهران الجنوب"، وهي منطقة تابعة للمملكة تقع على مقربة من حدودها الجنوبية مع اليمن، وهي التفاهمات التي تمت بين الحكومة اليمنية والمتمردين برعاية المملكة العربية السعودية، وبحثت بوجه خاص في كيفية إدارة الأزمة ميدانياً والتهيئة لانعقاد المشاورات ووقف الحرب على الحدود.
استغل الانقلابيون توقف طيران التحالف لأكثر من أسبوع عن التحليق في سماء اليمن بناء على طلب من أمير دولة الكويت، في إعادة الانتشار ونقل الأسلحة والقيام بخروقات خطيرة بينها استمرار القصف العنيف على الأحياء السكنية في تعز، وإطلاق صواريخ بعيدة المدى على مناطق تسيطر عليها الحكومة في محافظة مأرب، بالإضافة إلى هجمات عديدة على مواقع عسكرية وأخرى تابعة للمقاومة في عدد من الجبهات، على نحو أبقى الحرب مشتعلة كما كانت قبل سريان الهدنة.
هذه الخروقات اضطرت وفد الحكومة لتعليق مشاركته في المشاورات واستمر نحو ثلاثة أيام يرفض الدخول في المشاورات المباشرة، ولم يعد إلا بعد أن تم اعتماد صيغة تقضي بفصل المسار الميداني بما يتضمنه من خروقات وتجاوزات، عن المشاورات السياسية التي تجري في الكويت.
وكان هذا مطلب الحوثيين وصالح في حقيقة الأمر، وقد فرحوا به جيداً، لكن يبدو أن هذه الفرحة لم تدم طويلاً فقد بدأ الطيران خلال اليومين الماضيين بالتحرك للتعامل مع هذه الخروقات فيما بدأ الجيش بالتعامل ميدانياً مع هذه الخروقات، ما أوقع الانقلابين في مأزق حقيقي لأن هذا التطور يعني مزيداً من الخسائر العسكرية في الميدان والسياسية عبر المشاورات، خصوصاً بعد أن كانوا قد قبلوا بالاشتراك في لجان العمل الثلاث التي كُلفت بمناقشة الترتيبات السياسية والأمنية وأوضاع المعتقلين.
وهذه اللجان هي جزء من رؤية الأمم المتحدة للحل السياسي، الذي يبدو أنه جاء في ظاهره كصيغة توفيقية بين رؤيتي الحكومة والمتمردين.. قضت هذه الرؤية بأن تتولى "هيئة وطنية" مهمة الإشراف على انسحاب الميلشيا من المدن وتسلُّمْ الأسلحة منها، ولم يعرف حتى الآن طبيعة هذه اللجنة، وكيف ستتصرف بالأسلحة وأين ستحتفظ بها وعما إذا كانت تتألف من ممثلين عن الحكومة والمتمردين أم ستكون مستقلة.
نظر الموالون للحكومة إلى هذه الهيئة على أنها تحييدٌ واضح للسلطة الشرعية، وانتزاع أحد أهم صلاحياتها التي تضمنها قرار مجلس الأمن رقم 2216. ومع ذلك لم تكن هذه الرؤية مناسبة للانقلابيين، فلجأوا إلى الانسحاب من اللجان الثلاث، وهذا يعني بكل وضوح تعطيل مسار الحل السياسي.
الشيء اليقيني في تعاطي السعودية مع الأزمة اليمنية، هي أنها لن تسمح ببقاء الحوثيين جماعة مسلحة أشبه بحزب الله، هذه تأكيدات تلقاها مسؤولون يمنيون من مصادر سعودية مخولة، وهي ليست للاستهلاك السياسي، بل تعبر عن الأولويات الاستراتيجية للمملكة.
ذهب الحوثيون وحليفهم صالح إلى الكويت وفي نيتهم تحقيق أحد هدفين الأول تحييد التحالف في الحرب اليمنية، أو إفشال المشاورات. لكن أي من الهدفين لم يتحقق بشكل كامل حتى اللحظة.. وما نراه اليوم هو محاولات لا تخلوا من الانتهازية من قبل الأطراف المؤثرة للإبقاء على مشاورات الكويت حتى ولو في حالة موت سريري.
عربي 21
في الإثنين 09 مايو 2016 10:24:45 م