الأمن .. يا قيادات تعز
عبدالحكيم هلال
عبدالحكيم هلال
سبق وأن توالت التحذيرات والتنبيهات بأهمية التركيز على الاختلالات الأمنية المتزايدة في مدينة تعز ومحيطها، والمطالبة بسرعة معالجتها قبل أن تستفحل.

حدث ذلك مرارا وتكرارا، فيما كانت الأمور ما تزال تقتصر على اختلالات تتسبب بها بعض المجاميع "المنفلتة" المعروفة للجميع، أو ما يمكن أن يطلق عليها مراكز قوى داخل المدينة، غالبا ما تصارعت على الجبايات أو بسط النفوذ. حتى تكسير الأقفال ونهب المنازل والمؤسسات، كان معظم من يقف ورائها معروفون، أو الجهة التي ينتمون إليها، ومثلها أيضا معظم الاختطافات. وربما كان أخطرها هو حدوث اغتيالات هنا أو هناك تطال بين الحين والأخر جندي أو عضو في المقاومة، ولا تُعرف الجهة التي تقف وراء أغتيالها..!!

 لكن، أن يصل الأمر إلى مستوى محاولة اغتيال رئيس المكتب التنفيذي لحزب الإصلاح، بل وتبلغ الجرأة بالجناة الوصول إلى منزله وسط المدينة، وإمطار سيارته بوابل من الرصاص الكثيف ثم يفرون هكذا بسهولة..!! فهذا يعني أن الأمر قد تجاوز مسألة وجود ثغرات أمنية بسيطة يمكن معالجتها بإحدى الطرق المعتادة، عبر إرسال لجان التهدئة والوساطات أو لجان التحقيق لمعرفة مالذي حدث ومن المتسبب.. الخ، بل المشكلة هنا تتعلق بوجود خللا كبيرا في المنظومة الأمنية، وفجوة هائلة تجعل الأعداء يتحركون بحرية كاملة وينفذون مخططاتهم بسهولة دون أن يتم، ليس محاولة منعهم أو مواجهتهم فحسب، بل حتى كشفهم ومعرفة هويتهم، في مدينة تعج بالمسلحين وسيارات المسلحين في كل مكان تقريبا..!! 

قد يشكك البعض: لماذا يتم التهويل إلى هذا الحد عند هذه الحالة فقط؟ وأقول: نعم بالفعل، لأهمية وحجم المستهدف هذه المرة. ليس لشخصه، بل للجهة التي ينتمي إليها باعتبارها الأكبر والأكثر نفوذا وسيطرة على المدينة. وهذا بالمناسبة قد لا يكون في مصلحة حزب الإصلاح، ليس في مثل هكذا حالة على الأقل، كونه هنا من يفترض أن يتحمل المسئولية الأكبر عن كل ما يحدث من اختلالات أمنية. أو بحسب ما يعتقد الكثيرون ذلك.  

ومع ذلك، فالتبعات لن تقتصر عليه على أية حال. فالتساهل مع الاختلالات الأمنية المتزايدة طوال الفترة الماضية، وعدم إيلاء هذا الجانب الاهتمام اللازم ووضعه ضمن الأولويات القصوى والعمل عليه بدأب متواصل، من قبل الجميع دون استثناء، وعلى رأسهم حزب الإصلاح بالتأكيد، هو من أوصل إلى هذه النتيجة. وإن استمر الحال كما هو عليه الأن، فمن المؤكد أن تصل سيارة القاتل ورصاصته إلى رقاب كل القيادات الحزبية والعسكرية والاجتماعية البارزة والمحسوبة على الجيش والمقاومة الشعبية في المدينة والمحافظة.

 ورئيس الإصلاح هنا ربما كان فقط على رأس قائمة لائحة الاغتيالات المعدة للتنفيذ من قبل العدو المتربص بالمدينة، والذي من المرجح – في مثل هكذا حالة انتقالية تمر بها البلاد، وتعز في المقدمة – سيحاول تنفيذ مخططه القذر لتصفية كل الرؤوس الكبيرة، التي شاركت في هزيمته ودحره. وهكذا يفعل المنتقمون، مجرمو الحروب، حين يخسرون معاركهم الرئيسية، معركة الرجال، يلجؤون إلى الاغتيالات والتصفيات لإحداث المزيد من الفوضى لخلط الأوراق وإدخال المدينة في نفق مظلم من الصراعات الداخلية، مستغلين كل ثغرة أمنية صغيرة متاحة، فكيف والحال بوجود كم هائل من الفجوات والاختلالات في قلب وجسد المنظومة الأمنية؟

لذا، على الجميع بدون استثناء، اعتبار ما حدث: بداية من المحاولة الفاشلة لاغتيال قائد اللواء 35 عدنان الحمادي قبل أسابيع، وما تلاها من محاولة اغتيال أخرى لرئيس عمليات المحور عدنان رزيق في عدن بعدها بأيام، والوصول الأن إلى قلب مدينة تعز ومحاولة اغتيال رئيس حزب الإصلاح، بمثابة تنبيهات متقدمة بأن المخطط قد بدأ تنفيذه بالفعل..

وبالتالي، سيكون من اللازم العمل جماعيا وبشكل عاجل على محاولة إفشال هذا المخطط بكل الطرق.

 وحتى يتحقق ذلك، ربما سيكون من المهم العمل على تحقيق جملة من المقترحات، التي سبق وأن طرحت بعضها من كثيرين، ونوجزها كالتالي: –

– التركيز أكثر، من الأن وصاعدا، على إيلاء الجانب الأمني الأهمية القصوى، وتشكيل/أو إعادة تشكيل اللجنة الأمنية بما يلبي متطلبات المرحلة بالشراكة مع مختلف القوى الفاعلة، وبحيث تعمل – بشكل عاجل – على تشكيل غرفة عمليات خاصة في هذا الجانب.

– يتم عمل خطتين أمنيتين، الأولى قصيرة الأجل (عاجلة التنفيذ)، والثانية متوسطة وطويلة الأجل. بحيث تبدأ اللجنة الأمنية، مع غرفة العمليات، بعمل خطة أمنية أولية عاجلة لسد الثغرات الأمنية الواضحة بحسب الإمكانات والأدوات المتاحة. على أن تقوم بإعداد خطة أمنية شاملة متكاملة وواضحة بالاشتراك بين كافة القوى الرئيسية الفاعلة مع قيادات مختلف الأجهزة الأمنية وقيادات الجيش بالمحافظة، بما في ذلك تقسيم المناطق وتوزيع المهام والمسئوليات، ونشر نقاط أمنية ونقاط تفتيش في المداخل والمواقع الاستراتيجية وتسيير دوريات أمنية وعسكرية على أطقم في إطار التقسيمات المعتمدة ضمن الخطة..

– الاتفاق على اتخاذ حزمة من الإجراءات الضرورية الحازمة والصارمة ضد كل من يثبت تسببه أو تقصيره في مهامه الموكلة، أي كان الشخص أو درجته أو الجهة التي يتبعها..

– إحداث تغييرات ضرورية عاجلة في القيادات الأمنية المترهلة والتي ثبت تقاعسها أو عجزها وفشلها. في الوقت الذي يستلزم فيه رفد المؤسسة الأمنية بالكفاءات والخبرات الإضافية، التي بعضها ما تزال معطلة وغير مستوعبة حتى الأن، بعيدا عن الفرز وفق أية حسابات حزبية أو مناطقية ضيقة.

– التعجيل في استكمال خطوات بناء الأجهزة الأمنية المختلفة على أسس مهنية ومنهجية مدروسة تحاكي الواقع والحالة التي تعيشها المحافظة والمدينة، بما في ذلك استكمال الأعداد المطلوبة لكل جهاز وفقا للاحتياجات اللازمة والضرورية لإحداث نقلة نوعية سريعة بحسب ترتيب الأهمية، بدءا بجانب فرض الأمن العام، بالتوازي مع الجانب الأمني العقابي (الجنائي)، ثم الجانب الاستخباراتي وأخيرا تنظيم حركة السير، بما في ذلك فتح إجراءات الجمركة وضرورة أن تحمل كل السيارات لوحات رقمية رسمية، وصولا إلى إيقاف كل سيارة بدون لوحة.

– ويندرج ضمن الإجراءات المطلوبة، التسريع في استكمال الإجراءات الخاصة بضم أفراد المقاومة – الذين لم ينضموا حتى الأن – إلى قوات الجيش وفقا للأليات الرسمية والخطة المعتمدة في عملية الترقيم والتوزيع على الأولوية المختلفة بالمحافظة، وصرف بطاقات انتساب الكترونية رسمية معمدة لكل فرد بالاسم والجهة التي يتبعها.

– كما يندرج في سياق ذلك، سرعة استكمال إجراءات الدمج الخاصة بإلغاء المسميات الفصائلية المختلفة وجعل الانتساب فقط للألوية التي تنتمي إليها، بما في ذلك الملصقات التي على الأطقم والممتلكات التسلحية الثقيلة والمتوسطة وغيرها من الممتلكات الأخرى، وبشكل خاص السيارات التي يجب الغاء استمرار العمل بها كوسيلة معتمدة لحمل الأفراد المسلحين، أو ضبط هذه العملية، من خلال ترقيمها (عمل لوحات رقمية رسمية عليها باسم الجيش) مع بقية الأطقم والممتلكات الأخرى، أو عمل تصريح رسمي لها معمد من اللواء أو الجهة التي تتبعها. 

– هذه الخطوات، ستمهد لخطوة أكثر أهمية من شأنها أن تساعد كثيرا على ضبط الأمن بنسبة كبيرة، وذلك من خلال منع تحركات المسلحين أو الأطقم والسيارات المسلحة داخل المدينة من قبل نقاط التفتيش ودوريات رجال الأمن. وأي تحركات ضرورية يجب ان تحمل ترخيص من الجهة التي تتبعها ويتم إبلاغ غرفة العمليات بذلك التي ستقوم بدورها بتبليغ نقاط الأمن والدوريات الأمنية المنتشرة لحفظ وضبط الأمن.

– وحتى تستكمل الخطة وتحقق نجاحها، سيكون من المهم التفكير بإنشاء وحدات الشرطة العسكرية للتعامل مع مثل هذه الحالات أو أية مخالفات قد تبدر من أفراد أو وحدات الجيش.

– بعد استكمال إعداد الخطة، يتم رفعها إلى المحافظ لرفعها إلى الحكومة لتقديم التمويل اللازم والدعم لتفعيلها، مع مواصلة الضغط على المحافظ لإطلاق المخصصات المعتمدة سلفا في هذا الجانب.  

 وأخيرا: كل ما سبق وغيرها من الإجراءات ليست صعبة التحقيق، في حال وجدت الإرادة والنوايا الحسنة من الجميع لإخراج المحافظة من مأزقها الأمني المعقد. ولعل معظم الأنظار هنا تتجه صوب حزب الإصلاح، وما الذي يمكن أن يبادر به في هذا الجانب.

وربما سيكون من المهم عليه هنا أن يبدأ ويبادر أولا بإعادة الثقة مع حلفاء وشركاء المرحلة، ولو تطلب منه ذلك تقديمه المزيد من التنازلات. وقد يحاجج الكثير من أعضاء الإصلاح قبل قياداتهم في هذه المسألة بالذات. إلا أن مواصلة تقديم المزيد من التنازلات على أية حال، من شأنه أن يزيح عن كاهله بعض تلك الأحمال التي جعلته يبدو أمام الأخرين من يجب عليه أن يتحمل مسئولية أكبر عن كل ما يحدث. فضلا عن أن مثل هذه المبادرة من شأنها أن تكلل تضحياته الكبيرة التي قدمها منذ بداية الحرب وحتى الأن، بطريقة أكثر مثالية. 

في الأحد 19 فبراير-شباط 2017 04:10:20 م

تجد هذا المقال في سهيل نت
https://suhail.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://suhail.net/articles.php?id=405