|
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (153) سورة البقرة.
إقحام عبادة الصوم وهي ركن من أركان الإسلام في الجدل السياسي مسألة تمس روحانية الشهر المعظم عند المسلمين، لا أحد أمرهم بتوحيد التوقيت الدقيق بالساعة والثانية، و لكنهم يحاولون ذلك مع عدم إمكانية حدوث ضبط التوقيت لجميع أقطار الأرض، و الحسابات الفلكية و الرؤية المباشرة للهلال هما أساس الاختلاف.
البلدان التي تعتمد على حساب الوقت زمنياً قطعت شوطاً كبيراً في تهدئة جمهورها فلم يعد الناس يقلقون من رؤية أو عدم رؤية الهلال، في ماليزيا بمجرد صدور التقويم الهجري في بداية كل سنة هجرية يتم تحديد بداية و نهاية لرمضان، و خلال سنوات إقامتي هنا لم تعلن ماليزيا عن عدم تطابق هذا التقويم، و لم يطلبوا من المسلمين لا صيام احتياط و لا قضاء يوم احتياط، الحسابات الفلكية حسمت التوقيت و تأتي الأهلة مصدقة لضبط التوقيت الفلكي دوماً.
من يعتمدون على الرؤية و الشهود العدول يقعون في الشك و تعمي عليهم السحب أحياناً، و تأتي الموافقة على الشهود و القاضي العدل من قبل السلطة السياسية، و للسياسة حساباتها عند أهل القبلة، ولأن المذاهب طوعت للسياسة فقد نشأ الخلاف في توقيت بدء الصوم، و لو قلنا أن هذا طبيعي لاختلاف الأهلة و ظهورها بحسب أقاليم الأرض إلا أن هناك خلافات في تحديد وقت الإفطار و الإمساك، فعندما يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود عند السنة وقت الإفطار فإن الشيعة يؤخرون إفطارهم حتى لو كانوا في نفس البلد و في نفس الحي من باب المخالفة لا أكثر، و خلاف وقت الإمساك؟هل يمسك الصائم قبل أذان الفجر أم يأكل ويشرب وهو يسمع الأذان؟ خلاف مشهور ختى بين مذاهب السنة أنفسهم.
الهلال السياسي هو من يجعل الدول الواقعة في نفس الإقليم تختلف في مواقيت الصوم، وهذا ليس المهم المهم هو إشغال الناس بهذا الخلاف و هو بداية لإشغال الناس عن مقاصد الصوم و غاياته بسمو النفس البشرية و ارتقائها عند تأدية فريضة الصوم.
فالغرض من العبادة أياً كانت هي التقوى، والتقوى تعالج مسألة السلوك والسلوك يمس الأداء اليومي في حياة الفرد و المجتمع، وتهدف التقوى إلى تهذيب وتغيير السلوك الفردي و المجتمعي للنهوض بالمجتمع و الأمة و تحقيق القيم الإيجابية التي تسهم في عملية التنمية المستدامة، فعبادة الصوم تنتهي بتقويم الفرد حتى يخرج زكاة الفطر، هذا التهذييب و التقويم السلوكي الذي يمنع اللسان من قول الباطل و يحرم النفس من الملذات في توقيت محدد و يحرر العقل من الخوض في الشبهات و يختمها الفرد بدفع زكاة الفطر ليصبح عضواً صالحاً في المجتمع، وهذا العمل برمته يجعل الفرد شريكاً في مجتمعه وفاعلاً فيه.
خلاصته عليك كفرد أن تفهم أن خلافهم يجب أن لا ينعكس عليك و لا على سلوكك و لا على روحك، و سارع إلى فهم مقاصد العبادة دون أن يلوثك الخلاف و الاختلاف السياسي، فمدرسة الصوم تساهم في إعدادك كفرد إيجابي في مجتمعك وهي أعظم من مدارس السياسة مجتمعة، لأنها تسهم في تغييرك ثقافياً، فالسلوك المهذب الذي ينتج عن الصوم سينعكس على أداء الفرد في المجتمع، وسيجعله حاضراً ثقافياً فيه، فالثقافة في النهاية هي سلوك، و الحضور الثقافي كسلوك و فاعلية أهم من الخلاف السياسي الزائل بمجرد مرور يومين من أيام رمضان.
كما أن اغتنام فرصة التأمل في النفس و الكون و البحث عن الذات في كل هذا الركام و الأحداث و الضجيج يقودك إلى معرفة نفسك و النأي بها عن خوض المعارك الصغيرة و الخصومة و الجدل و يجنبك البغض و الكره و الحقد، فإذا حصل ووجدت نفسك و قيّمت و قوّمت ذاتك بناء على الصبر و المحبة و الطاعة و المعرفة حتماً ستدرك ماذا يريد منك مجتمعك و أمتك و ستمنح عن جدارة شرف الإنتماء للمجتمع و الأمة.
ستدرك في نهاية المطاف أن خلافهم السياسي زائل و أن مجتمعك و أمتك يتخلقان من جديد و يعتمدان على تغيرك أنت و نضجك أنت و معك أمثالك في المجتمع، الصوم يخرجك عن النمطية و روتين الحياة و الملل و رتابة الواقع و يمنحك صفاء الذهن.
مختصره: خروجك من خلافاتهم و معرفة ذاتك و أهميتك للمجتمع و الأمة سيوصلك إلى طريق البحث عن الله و هذا البحث هو بداية الوصول إلى معرفة الله و من ذهب إليه وجده، و من وجده سيتقيه و سيقدره حق قدره..
في السبت 19 مايو 2018 11:23:23 م