الفادون الكبار و الحزن المجيد
جمال أنعم
جمال أنعم

أتحاشى أحزاني وأفر منها، وبودي أن اكتب أساي وأساكم بصورة لا تهين الروح ولا تبخس البطولة وشرف التضحية ومجد الشهادة.
صرت أخاف السؤال عن الأصدقاء، ومن اعرف، السؤال نبش في مقابر منسية ارتطام بجراحات نازفة، غرق في أحزان وطن.
سألت صديقي عن أخيه النبيل الذي أحببته قال لي استشهد في فرضة نهم، سألته عن أخيه الآخر، ذاك الشقي المتمرد أيام الساحة قال أصيب في ميدي.
في هاتفي أسماء حبيبة لشهداء وراحلين، رسائلهم وأرقامهم محفوظة لدي، لكن لي عزاء أود أن اكتبه.
هؤلاء هم من يصنعون الفرق، أبطالنا الكبار هم، لا أنساهم أبدا، لحسام السمدة هذا الشاب المتأنق، أبوه صديقي عبدالخالق السمده دكتور في العلوم السياسية.
حسام البهي المتأنق جوهرا ومظهرا الدافئ المثقف المحب للأدب يكتب برشاقة وشغف وامتلاء، حارب في الأيام الأولى لاقتحام الحوثيين صنعاء، واستمر في الجبهات مقاتلا باندفاع وبسالة وصمت وتواضع أصيل.
استشهد في نهم منذ أكثر من عام، كانت لحسام آمال وأحلام مثل كل الشباب وله رغاب وحياة لم يعشها.
لكنه يختارنا، يختار أن يفتدي وطنة ويفتدينا، نحن نعيش بهؤلاء، هم المعنى الحقيقي، وهم من يمنحون هذا الصراع القيمة.
ثمة جرحى يعرجون داخل روحي، بقدم واحدة. ثمة أيد مبتورة تصافحني صبح مساء تشد على قلبي كي يواصل الخفقان في درب التضحية والفداء.
يطالبنا هؤلاء كل آن بأن نستحقهم، وأن نكون بقدر بذلهم وتضحياتهم موقفا ورؤية، قولا وفعلا، جسارة وشجاعة، قرارا واختيارا.
مازلت أقول، عندما يسقط المعنى تسقط المعنويات ويعلو صوت المعاناة ويبدو الدرب محض إرهاق ، ثمة معاني عظيمة في هذا الصراع، علينا أن لا ندعها تفلت كي لا نسقط ونموت.
علي أبو الحياء واحد ممن يجعلوننا نحب أنفسنا أكثر ونعشق كوننا يمنيين، مالذي كان يفعله هناك؟ في حيس مسقط الرأس، كان يصورنا ونحن ندافع عن وطن نستحقه، وطن كبيير وعظيم.
الرمزيات هذه يجب أن لا تغيب، بجب أن لا نقتلهم أكثر كي لا نقتل الحلم الذي قتلوا وهم يدافعون عنه.
الحزن على هؤلاء الكبار يجب ان يكون كبيرا بقدرهم، لم يخسر علي أبو الحياء، كان على يقين انه يكسب ذاته وكينونته ورجولته وبلاده.
هو اختار معركته، اختار البقاء ، كان يحتضن خلوده وهو يتابع بكاميراه وقلبه صورة وطنه المقاتل عن كرامته وحريته ووجوده الكريم.
يليق بنا أن نصوره الآن بشكل يليق، مازلت أرى أن خطابنا المواكب لهذه الحرب يقصر عن الارتقاء إلى مستوى الروح الفادية والبسالة الأسطورية لقوافل الأبطال وملاحم الفادين العظام، فرسان الوطن الباذلين بصمت والمرابطين في كل مواقع التضحية.
يقودنا الشهداء والجرحى، يتقدمنا هؤلاء البسطاء الذين يتصدرون جبهات العز في كل الأنحاء، ينهض بنا هؤلاء الواقفون في خطوط النار.
يشعروننا بالخجل كلما سقطنا في الشك وفقدنا الثقة والعزم والإصرار، هم يقيننا الكبير في المعترك وهم سند أرواحنا يقوننا السقوط في الضعف والانكسار.
نحن للأسف نصوب باتجاهات خاطئة ونصيب ذواتنا وقضيتنا في الصميم حين نفتقد الوجهة والقدر وننسى معنى ان نخوض صراعا مريرا كهذا دون أن نكون في مستواه موقفا ورؤية وقولا وفعلا.
من المخجل أن لا نرقى الى مستوى هذه القامات العالية وان نبدو أقل من أن نستحقهم على امتداد الصراع.
الآن ابني نزار يلبس الزِّي المدرسي وهو يمارس شغبه الصباحي المعتاد وأستعيد صورة علي ووجوه كل الشهداء الأحياء وكل الجراحات في درب العظمة والإباء والكبرياء.
أراهم في وجه نزار وفي حياة نزار الآتية وأحلامه المتبرعمة في مستقبل اليمن الذي نحب ونعشق.
هل بقي لأحد منا حزنه الخاص؟ هؤلاء هم أتراحنا وأفراحنا وصورتنا الأكثر بهاء ومضاء.
يشرق المعنى الكبير لتضحيات، هؤلاء فنشعر بشيء من العزاء وكثير من اليقين والقوة والصلابة.


في السبت 01 سبتمبر-أيلول 2018 07:24:02 م

تجد هذا المقال في سهيل نت
https://suhail.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://suhail.net/articles.php?id=495