|
في العشرين من نوفمبر 1989م اعتمدت اتفاقية حقوق الطفل، وعرضت للتوقيع والتصديق والانضمام بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، وفي هذا اليوم من كل عام يحتفل العالم ب"اليوم العالمي للطفولة" وتقام الاحتفالات والندوات والفعاليات والأنشطة في جميع دول العالم لحماية ورعاية الأطفال، وفقاُ للمعايير التي تضمنتها الاتفاقيات والبروتوكولات لحقوق الطفل.
وقد صادقت بلادنا على الاتفاقيات والمعاهدات الدولية منها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهدين الدوليين، واتفاقية حقوق الطفل، اتفاقيات جنيف الأربع 1949 وبروتوكولاتها الإضافية 1977م، وإعلان جنيف لحقوق الطفل لعام 1924م، والعديد من الاتفاقيات التي تنص على حماية الطفل.
يحتفل العالم باليوم العالمي للطفل لضمان رفاهيته وحقه في العيش والصحة والتعليم واللعب والحصول على الأمن والغذاء والسكن المناسب، في الوقت الذي يعيش فيه أطفال اليمن أصعب وأشد المعاناة، أطفال اليمن تركوا مقاعد الدراسة وانضموا إلى طوابير طويلة للبحث عن الماء، وطوابير اخرى للبحث عن المساعدات الغذائية التي لا يصل إليهم إلا الفتات.
العالم يحتفل باليوم العالمي للطفل؛ وأكثر من 6 آلاف طفل مازالوا في جبهات القتال في انتهاك صارخ لكل المواثيق والاتفاقيات الدولية التي تجرم استخدام الأطفال في النزاعات المسلحة سواء القتال المباشر أوفي عمليات الإمداد أو أي استخدام عسكري يعرضه للخطر.
يحتفل العالم باليوم العالمي للطفل؛ وأطفال اليمن تحصدهم الألغام التي زرعتها المليشيات في كل تراب وصلوا إليه، العشرات قتلوا بالألغام الحوثية أثناء لعبهم وهناك المئات من مبتوري الأطراف ومن يعانون من إعاقات دائمة بسبب الحقد المليشاوي.
ما يجري في العاصمة صنعاء والمناطق التي تخضع لسيطرة الانقلاب الحوثي بشكل عام عملية تجريف واسعة في كل مؤسسات الدولة وخاصة المؤسسات التعليمية التي تسعى المليشيات الحوثية في استهداف أطفال اليمن، مئات الآلاف من الطلاب خارج أسوار المدارس، والآلاف يحملون السلاح في جبهات القتال وهم دون السن القانونية، المعلمون يعيشون معاناة صعبة بسبب انقطاع مرتباتهم منذ ثلاث سنوات لتدمير التعليم واغتيال مستقبل أطفال اليمن، المنهج الدراسي يتعرض لأكبر عملية تحريف وتغيير طائفي سلالي.
استبدلت الجماعة الحوثية النشيد الوطني في المدارس التعليمية بالصرخة الخمينية، والشعارات الوطنية الجمهورية بترديد قسم الولاء في طابور كل صباح؛ وشكلت الجماعة فريقاً موالياً لها يعمل على تغيير المناهج التعليمية، بما يخدم أفكار الجماعية التي تمزق النسيج الاجتماعي، ويغسل عقول الطلاب والنشء بالأفكار السلالية التي تدعو إلى الطائفية والعنصرية، وترسخ في أذهان الجيل الحق الإلهي الحصري للحوثيين في الحكم.
دأبت ميليشيات الحوثيين الانقلابيين على ممارسة انتهاكات غير مسبوقة منذ احتلال العاصمة اليمنية صنعاء، والانقلاب على السلطة الشرعية في البلاد، ومنها اقتحام المؤسسات التعليمية والصحية واستبدال الكفاءات لغرض فرض أفكارها ومعتقداتها الطائفية، والتي تؤثر بشكل مباشر على الأطفال ومستقبلهم.
يظل تجنيد الأطفال من طلاب المدارس هو الهدف الأول التي تسعى إليه المليشيات، من خلال تقويض المؤسسات التعليمية والاستيلاء عليها بشكل كامل، فقد أعلن القيادي الحوثي حسن زيد وزير الشباب والرياضة في حكومة المليشيات الانقلابية، بشكل صريح وواضح بإيقاف التعليم، وضرورة إرسال الطلاب ومعلميهم إلى الجبهات وقال: "أوقفوا الدراسة وأرسلوا الطلاب والمعلمين لجبهات القتال، وإن هذا العمل سيرفد جبهات القتال بمئات الآلاف".
تقوم المليشيات الحوثية بنهب المساعدات الغذائية بحسب شهادات وتصريحات برنامج الغذاء العالمي ومنظمات دولية أخرى كان له الأثر في ارتفاع مؤشرات الأمن الغذائي للأطفال إضافة إلى نهب الأدوية والمحاليل الخاصة بالمستشفيات والمقدمة من المنظمات الدولية، وتشير الإحصائيات إلى ارتفاع في حالات الإصابة بالكوليرا والأمراض المعدية في العاصمة صنعاء، في ظل عجز الكثير من الآباء والأمهات عن معالجة أطفالهم في المستشفيات والمراكز الصحية الحكومية، وسط غلاء فاحش وارتفاع أسعار الأدوية والمستلزمات في المستشفيات والصيدليات الخاصة، نتيجة التعسفات والإتاوات والمبالغ المهولة التي تفرضها المليشيات عليها والتي تسبب معاناة للمواطنين ولاسيما الأطفال.
تمر العملية التعليمية في العاصمة صنعاء والمناطق الخاضعة للحوثيين، بأسوأ مراحلها بفعل استمرار انقلاب مليشيات الحوثي وممارساتهم التعسفية بحق مدراء المدارس والمعلمين، بالإضافة إلى حوثنة العملية التعلمية وتجنيد طلبة المدارس والتدخل في محتوى المناهج الدراسية مما أدى إلى تسرب عشرات الآلاف من الطلاب من فصول الدراسة.
منذ انقلاب المليشيات الحوثية على الشرعية وسيطرتها على مؤسسات الدولة بقوة السلاح في 21 سبتمبر 2014، اتخذت المليشيات عدة اجراءات في سبيل تغيير المناهج الدراسية لطمس الهوية الوطنية وتحريف المناهج التعليمية وصبغها بالأفكار الطائفية الموالية لهم، وقامت المليشيات بإدخال مواد تعليمية طائفية ضمن مقررات الرياضيات والعلوم في الصفوف الأولى، إضافة إلى تغيير مناهج التربية الإسلامية والسيرة واللغة والتاريخ في الفصول الدراسية المتخلفة، وعملت مليشيات الحوثي على إدراج افكارها الطائفية في المناهج الدراسية لطلاب المدارس بصنعاء والمناطق التي تسيطر عليها، وهو ما يهدد عقيدة وقيم الاجيال القادمة وينسف مستقبل السلم والتعايش المجتمعي.
تفرض المليشيات منذ انقلابها، العشرات من الفعاليات الطلابية والتثقيفية على المدارس الحكومية والخاصة تحت مسميات مختلفة منها يوم الشهيد، ويوم القدس العالمي، ويوم الزهراء، والمولد النبوي، إضافة إلى فعاليات الاحتفال بالمناسبات الطائفية الشيعية المعروفة، وفرض ملازم الحوثي الطائفية؛ الاجبار في المشاركة في الفعاليات الطائفية وإكراه الطلاب على الاستماع لمحاضرات الحوثي على الشاشات وتلزم الطلاب على ترديد قسم الولاء طابور الصباح وترديد الصرخة الخمينية في المدارس.
لم تكتف المليشيات الحوثية بغسل عقول وأدمغة الطلاب في المدارس العامة و الزج بهم إلى الجبهات، بل لجأت للحشد والتعبئة الطائفية من خلال إقامة المراكز الصيفية، لتكريس العنف في المجتمع ونشر ثقافة الكراهية، تهدف من خلال مراكزها الصيفية لإنشاء جيل طائفي، وزرع قنابل موقوتة تعود أثارها السلبية على الشعب اليمني، وتهدد من خلالهم امن اليمن واستقرار المنطقة.
تستغل مليشيا الحوثي الانقلابية حاجة الناس للمواد الغذائية خصوصا مع تردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في مناطق سيطرتها، لابتزاز المواطنين، حيث تساومهم الدفع بأطفالهم إلى المراكز الصيفية مقابل تسليمهم وجبات غذائية ومواد عينية، وتقدم عروضا ومغريات متعددة على الأطفال وأسرهم لاستقطابهم في مراكزها الصيفية، ونتيجة لحاجة الناس وعوزهم، والبعض يدفعون بأبنائهم لهذه المراكز غير مدركين لخطورتها وما يترتب عليها وما هي مخرجاتها.
تستغل المليشيات سيطرتها على التعليم، وتعمم على مكاتب التربية في المحافظات و المديريات ومدراء المدارس وعقال الحارات في أمانة العاصمة والمحافظات التي تسيطر عليها، بإلزام مجالس الآباء والأمهات وأولياء الأمور بتسجيل أبنائهم في المراكز الصيفية، لاستقطابهم والزج بهم في جبهات القتال كما تقوم بتهديد أولياء الامور بمنع توزيع الغاز المنزلي مقابل الحضور مقابل المساعدات الغذائية الحشد للجبهات.
تصدر مليشيا حوثي تعميمات بصورة مستمرة تجبر فيها طلاب مدارس أمانة العاصمة على دفع مبالغ مالية شهرياً ضمن مسلسل النهب المستمر على الأطفال في العاصمة صنعاء، وحرمان من لم يدفع من دخول المدارس للدفع بهم إلى خارج التعليم.
تقوم ميليشيا الحوثي منح شهادات الثانوية العامة للطلاب المقاتلين في صفوفها، وإدراج أسماء مقاتليها في الجبهات للحصول على الشهادات وتعلن في المدارس منح الشهادات والدرجات العالية لمن يلتحق بالجبهات دون حضورهم لأداء الامتحانات، ويتم إعلان النتائج بنجاحهم بل وحصولهم على معدلات عالية، كما تقوم المليشيات بمنح الشهادات للطلاب مقابل حضور الدورات الثقافية التي تعمق وتغرس الطائفية في عقولهم.
اضطر المئات من الآباء ترك منازلهم وأعمالهم وأقاربهم والنزوح إلى محافظات أخرى ليضمنوا السلامة الجسدية مع عائلاتهم بعد حملات الاعتقالات والتعذيب والإخفاء القسري والمعاناة التي يتعرض لها المعارضين للجماعة الحوثية في العاصمة صنعاء، والتهديد والملاحقة والبحث عن الأمن والاستقرار، بعد أن عاشوا في ظل القهر والخوف والتهديد من المليشيات الحوثية والبعض منهم اضطر للسفر خارج البلاد، وهي معاناة تجرعها الآلاف من أطفال اليمن في ظل سيطرة المليشيات الحوثية التي كل ممارساتها تدعو بالموت والدمار والخراب لليمن وأبناء اليمن.
في اليوم العالمي للطفل ندعو جماعة الحوثي الكف عن ممارسة الانتهاكات بحق الطفولة والتوقف الفوري عن حشد وتجنيد الأطفال والزج بهم إلى جبهات القتال، كما ندعوها التوقف عن العبث والتلاعب بالمناهج الدراسية وتحريفها خدمة للجماعة وأجندتها الخاصة فاليمن ليست ملكاً لحزب أو فئة أو جماعة فالوطن للجميع.
ونطالب المجتمع الدولي وهيئة الأمم المتحدة وأمينها العام والمبعوث الأممي لليمن ومجلس حقوق الإنسان والمفوضية السامية لحقوق الإنسان والمنظمات والهيئات والوكالات المهتمة بحقوق الإنسان وحقوق الطفل في اليوم العالمي للطفل، سرعة التدخل للوقوف حيال الجرائم بحق الطفولة، وتوقيف تلك المليشيات عن ارتكابها تلك الجرائم والانتهاكات، وسرعة فتح تحقيق شفاف وعاجل في كل قضايا الانتهاكات لحقوق الطفولة ومحاسبة كل المتورطين سياسيا وقانونيا وجنائيا وفقا للمواثيق والاتفاقيات الدولية وقواعد القانون الإنساني الدولي.
كما نطالب المجتمع الدولي بتحمل مسئولياته القانونية والأخلاقية لحماية الأطفال وطلاب المدارس من تحشيد وتجنيد وممارسة الضغط على المليشيات الحوثية، وفقا لوثائق الأمم المتحدة واتفاقيات جنيف والتحقيق في عمليات التجنيد الإجباري التي تنفذها المليشيات الحوثية في مناطق سيطرتها واقتياد الأطفال للجبهات باعتبارها عمليات قتل جماعي وجرائم حرب لا تسقط بالتقادم.
وفي هذا المقام نحث أولياء أمور الأطفال العمل على حماية أبنائهم والوقوف في وجه هذه الانتهاكات التي تطال أبنائهم، وعدم السماح لعمليات التجنيد الإجباري، ومتابعة أبنائهم بعد عودتهم من المدرسة، والتعرف على ما يتلقونه من أفكار ومفاهيم خاطئة من قبل الحوثيين وتصويبها والعمل على تحصينهم فكرياً وعقائدياً بما يتناسب مع المنهج الدراسي للجمهورية اليمنية، ومتابعة الأبناء لمشاهدة القنوات التليفزيونية الهادفة التي تدعو إلى تعزيز الولاء الوطني والجمهوري، وحدة الصف ونبذ ثقافة الكراهية وحمل السلاح، والتي ترسخ مبادئ التعايش والحب والسلام.
كما ندعو الحكومة الشرعية وقيادة وزارة التربية والتعليم النظر بجدية في عمليات التجريف الحوثية وسرعة تشكيل لجان متخصصة لفحص المناهج الدراسية وتوضيح ما تم تغييره وتحريفه من المناهج في مناطق سيطرة الحوثيين، وعمل حلول مناسبة لمواجهة التجريف الفكري والتعليمي التي تمارسه المليشيات، وسرعة البحث عن خيارات وبدائل لتلبية احتياجات الأطفال وعرض المنهج الدراسي بعيداً عن التحريف ونشر ثقافة الموت، والتركيز على تحصين الأطفال والمجتمع بشكل عام من خلال وسائل الاعلام المختلفة، لمواجهة التجريف والتطييف التي يطال أطفال اليمن من قبل المليشيات.
المسئولية لا تقتصر على النخب السياسية والحقوقيين فحسب، فالمجتمع عامة تقع على عاتقة مسئولية كبيرة في التوعية والإرشاد والتنبيه من الخطر القادم من التعبئة الخاطئة التي تقوم بها المليشيات الحوثية، ولكل وسائله وقدراته في الحد من هذه الآفة الخبيثة التي تعصف بالوطن.
سيأتي اليوم الذي تنتهي فيه الحرب الملعونة التي تسببت في قتل الآلاف من ابناء اليمن رجالا ونساءً وأطفالاً وشيوخاً، ولا بد أن تنتهي، وسينعم أطفال اليمن بالخير والوئام، وسيمثل كل من ارتكب الجرائم والانتهاكات للعدالة والقضاء وينال جزاءه الرادع، نتمنى في القريب العاجل أن تنتهي كل المعاناة والأوجاع، ويعم الخير والسلام لكل أبناء الوطن.
في الأربعاء 20 نوفمبر-تشرين الثاني 2019 09:20:56 م