|
"عنزة ولو طارت".. هذا هو حال مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن، مارتن غريفيث، واتفاقية "ستوكهولم" التي جرى الإعلان عنها في دولة السويد، في 13 ديسمبر 2018، ولم توقعها جماعة الحوثي حتى اليوم بالمناسبة.
ثمة إجماع شعبي ورسمي في اليمن على أن هذه الاتفاقية ماتت قبل أن تولد، وهذا ما يؤكده الواقع على الأرض، لكن غريفيث لا زال حتى اللحظة يدافع عن الاتفاق بصورة مفضوحة ومكشوفة، وكل مرة يحشد عددا من الإنجازات الوهمية التي لا تملك أمامها إلا السخرية أو الضحك من باب "شر البلية ما يضحك".
أحدث هذه الإنجازات الفارغة نشرها، بالأمس، مكتب غريفيث على موقعه الرسمي، في تقرير له بمناسبة مرور عام على اتفاق السويد، تحت عنوان "عام بعد اتفاقية ستوكهولم أين نحن الآن"، وحشر فيه مغالطات لا تليق بمؤسسة أممية.
يقول التقرير إن اتفاق ستوكهولم، هدفه هو "تجنب شن هجوم عسكري على الحديدة"، وهذا صحيح، وثمرة ذلك هي توفير بيئة أكثر أمانا للمدنيين، وزيادة في تدفق المساعدات الإنسانية إلى المحتاجين، وهذا الكلام غير صحيح.
فكل التقارير تؤكد أن الحديدة لا زالت أكثر المحافظات اليمنية خطرا، وهذا ما أكدته 15 منظمة دولية، قبل أيام، وبالنسبة للمساعدات فيكفي الاستشهاد بإحاطة مساعدة الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية أورسولا مولر، التي قدمتها إلى مجلس الأمن في جلسته الأخيرة، والتي أكدت فيها أن جماعة الحوثي تنهب المساعدات، مما يؤكد كذب غريفيث وتقريره المنشور.
يتحدث تقرير مكتب المبعوث الأممي عن إنجازات أخرى مثل إنشاء بعثة للأمم المتحدة في الحديدة (أونمها)، بينما يتحدث التقرير نفسه في فقرة أخرى عن قيود مفروضة على حركة البعثة وأنها "تمثل أحد التحديات الرئيسية التي تواجه عملها"، وكان الأولى بمستشاري غريفيث أن يراجعوا هذه الفقرة ويخرجوا بصيغة أكثر كذبا طالما يتقاضون أجورا بالعملة الصعبة مقابل جر المبعوث إلى سراب.
يتفاخر التقرير بإنشاء خمس نقاط مراقبة مشتركة على الأرض لمراقبة الوضع ومنع المزيد من التصعيد العسكري، وفي نفس الوقت يغفل أن هذه الخطوة لها تكلفة باهظة تجاوزت 58 مليون دولار، ورغم ذلك لا زالت الخروقات مستمرة وبلغت بحسب الإحصاءات الرسمية 16516 خرقا، والضحايا في تزايد، حيث وصل عدد القتلى إلى 232 مدنيا وجرح 2311 آخرين منذ إعلان "ستوكهولم".
ويقول تقرير غريفيث المنشور إن الطرفين اتفقا على "آلية لإيداع إيرادات الميناء في حساب خاص في فرع البنك المركزي في الحديدة تحت إشراف الأمم المتحدة لدفع رواتب موظفي الخدمة المدنية في الحديدة وأماكن أخرى"، وهذا صحيح، لكن التقرير تناسى أن جماعة الحوثي لم تورد ريالا واحد بعد، وهذا ما أكده رئيس الوزراء اليمني، في لقاء له، أمس الثلاثاء، مع قيادة السلطة المحلية في الحديدة.
ويستطرد التقرير في سرد الإنجازات، إن جاز لنا التعبير، ومنها اتفاق الطرفين على آلية تنفيذية لتفعيل اتفاقية تبادل المحتجزين والأسرى، وهذا صحيح، لكن التقرير يتجاهل أن الحوثي لم ينفذ هذه الآلية، والمضحك أن التقرير سرق منجزا في هذا المحور بالقول "واتخذت الأطراف مبادرات أحادية الجانب وأفرجت عن مئات المحتجزين"، وهذا الكلام يؤكد فشل غريفيث في هذا المحور لأن المبادرات الأحادية قائمة من قبل اتفاق السويد، ولا تمثل منجزا للمبعوث الأممي إطلاقا، ولا تكفي لرفع المعاناة عن المختطفين في سجون الحوثي.
وإنجاز عظيم برأي مكتب غريفيث، وهو أن مباحثات ستوكهولم كانت "المرة الأولى التي تجتمع فيها أطراف النزاع منذ مشاورات الكويت في 2016م، وهي المرة الأولى منذ بدء النزاع التي تمكن بها الأطراف أن يتوصلوا إلى اتفاق بشأن العديد من القضايا المهمة لتخفيف الوضع الإنساني في اليمن".
ونحن هنا نتساءل: ما قيمة أن تجتمع الأطراف وتتوصل إلى اتفاق لا ينفذ، أليس الأفضل في هذه الحالة أنها لم تجتمع وتوفر تكلفة السفر؟
المحور الوحيد الذي لم يجد له غريفيث أكذوبة لتغطيته، هو المحور المتعلق بفك الحصار الحوثي الذي يفرضه على مدينة تعز منذ 2015م، فقد أبدى التقرير أسفه من استمرار الحصار، ونحن بدورنا نأسف بأن غريفيث عجز عن طلاء هذا المحور، ولو أنه استعان بالجمهور لقالوا له إن "حمى الضنك" استوطنت في تعز من أجل إضافتها إلى قائمة انجازاته العظمى، فالانجازات الأممية متشابهة.
الخلاصة أن غريفيث يحاول تغطية الشمس بمنخل كما يقول المثل العربي، وقد وصف اتفاق السويد بـ"سلعة أساسية لأي جهد ناجح لبناء السلام"، وفي الواقع أنه سلعة، ولكن فاسدة، ويجب إتلافها سريعا حفاظا على البيئة السياسية في اليمن.
وإذا لم يكن المبعوث حريصا على البقاء في منصبه بهدف استمرار الراتب، فعليه أن يقدم استقالته فورا احتراما لنفسه قبل كل شيء لأنه لم يفعل شيئا للسلام في اليمن منذ تعيينه مبعوثا أمميا في فبراير 2018.
في الأربعاء 18 ديسمبر-كانون الأول 2019 05:54:38 م