|
سياسيان من الجنوب العزيز، شغلا مناصب عليا في الدولة، وكنا نفهم أن أحدهما وحدوي كبير، وكثيرا ما كان يتحدث، قبل 2011، عن المشروع الوطني الكبير واليمن الواحد الكبير مقابل المشاريع الصغيرة التي لا يجب الالتفات إليها، ومنها مشروع الانفصال بالطبع، أما الآخر فقد ظنه كثيرون انفصالياً وكان محكوما عليه بالإعدام بسبب حرب 1994م!
كتب كل منهما مقالا بمناسبة عيد الاستقلال الثالث والخمسين، أسهب الأول، الذي كنّا نظنه وحدويا كبيراً، في مقال طويل لا خلاف على الكثير من مضامينه، لكنه ختمه بالقول: "الوحدة والديمقراطية دفنتها الحرب"، ويقصد حرب 1994، أي أن الوحدة ماتت والحمد لله!
وبدا وكأنه كتب المقال لإيصال هذه الرسالة، وهذا ما يعمل من أجله الطامعون في تحجيم اليمن وتقزيمها وتقسيمها ليسهل التحكم فيها وبلعها وحتى إهانتها، أما القرويون الذين يفترض أن خلاصة المقال وفكرة دفن الوحدة تؤازرهم، فهم لا يحسنون سوى بيع الجنوب وتسليمه للطامعين الجدد، والكتاب يُقرأُ من عنوانه، والمقدمات التي نراها الآن تدل على النتائج، وتتجسد اليوم في عدن وسقطرى خاصة.
حرب 1994 فادحة فعلاً، ولكن لماذا تلك الحرب هي التي يصر البعض أن جرحها لا يندمل، ولا بد أن ينتج عنها تقسيم البلاد، ومثلاً، فإن الخسائر المادية والبشرية في كل من حرب 1986 في الجنوب وحرب الستينات في الشمال تفوق حرب 1994م!
وهناك الآن حرب الحوثي، وهي أفدح حرب عرفتها اليمن منذ قرون، وضحاياها بعشرات الآلاف، ولو سلمنا بنفس المنطق، فيجب أن تتقسم اليمن بموجب هذه الحرب الخبيثة إلى عدد من الدويلات وليس إلى دولتين فقط.
أما الآخر، الذي كان يظنه البعض انفصاليا ظلماً، فقد حث فيما كتب على ما يقوي ويعزز موقف اليمن وحدةً وهويةً وكياناً وكرامةً، وقال: لا تحملوا الوحدة وزر السياسة وأخطاء السياسيين، وأضاف: ارفعوا علم الجمهورية اليمنية كلما استطعتم، وانشدوا نشيدها الوطني ولو في بيوتكم، في كل اليمن، فسقوط الهوية الوطنية، مدعاة لصراع الهويات المناطقية والمذهبية.
ولعل ما ورد في كلمة الرئيس السابق علي ناصر محمد بمناسبة ذكرى الاستقلال، يعبر عن حقائق يرغب البعض في تجاهلها والقفز عليها حيث قال: "أما ما حدث بعد الوحدة من صراعات وحروب فلا تتحمل وزره الوحدة كهدف نبيل وعظيم للشعب اليمني شمالا وجنوبا، بقدر ما تتحمل مسؤوليته الطريقة الخاطئة التي أُديرت بها دولة الوحدة، وتوظيف تلك الصراعات لغايات أخرى لا علاقة لها بتطلعات وآمال الشعب، كانت نتائجه وخيمة على النسيج الوطني والاجتماعي حتى اليوم".
بالمناسبة، تحاشيت ذكر اسمَي الكاتبين الكريمين، لأن أحدهما بدا منذ فترة كمن لا يقبل النقاش والاختلاف والنقد، وكنا نعزه كثيراً، ونظنه رجل الحوار الأول، بل رجل اليمن الأول! ومع أنني أرفض آراءه وإيماءاته الانفصالية، فإني ما زلت احترمه وأقدر أنه يحب اليمن كلها، لكنه عند حديثه عن وحدة اليمن صار يخونه ذلك الحب!
وكل عام وأنتم بخير.
في الثلاثاء 01 ديسمبر-كانون الأول 2020 09:04:26 م