|
السويدي هانس جروندبيرج هو رابع مبعوث أممي للسلام في اليمن بعد المغربي جمال بن عمر والموريتاني إسماعيل ولد الشيخ والبريطاني مارتن جريفيث.
المبعوث الأول ساعدته المبادرة الخليجية على نجاح مؤقت بجمع اليمنيين في مؤتمر حوار شامل خرج بمخرجات متفق عليها، تم استيعابها في نصوص دستورية، قبل أن ينقض الحوثيون على الدستور وعلى العاصمة صنعاء والبلاد برمتها ويهدموا المعبد على رؤوس العباد. بعدها بدأت مراحل الفشل وخرج ابن عمر يوزع الاتهامات يمنة ويسرة معلقًا أسباب فشله على تدخل التحالف، دون أن يشير إلى أن الحوثيين الذين انقلبوا على مخرجات الحوار الذي سعى له كانوا السبب الأبرز في فشل مهمته، ومتغاضيًّا عن حقيقة أن الانقلاب هو السبب الأبرز لتوسع الصراع.
المبعوث الثاني، إسماعيل ولد الشيخ، سعى لجمع اليمنيين على مائدة مفاوضات مرتين في جنيف وبيل بسويسرا، وثالثة في الكويت. وصلت محادثات الكويت إلى نتائج مبشرة بعد ثلاثة أشهر من اللقاءات حضرت فيها الدبلوماسية الكويتية إلى جانب الجهود الأممية. خرجت تصريحات متفائلة عن وجود اتفاق قبل به وفدا الحكومة والحوثيين، غير أن ولد الشيخ قال في آخر إحاطة له في مجلس الأمن الدولي إننا كنا في الكويت على وشك إنجاز اتفاق سلام تاريخي في اليمن، لولا أن الحوثيين في الدقائق الأخيرة رفضوا التوقيع عليه.
وهنا يبدو التشابه بين مداولات الحوار الوطني في صنعاء ومداولات الحوارات المختلفة في سويسرا والكويت، جهود مضنية تؤدي إلى نتائج مبشرة، يوافق عليها الحوثيون، لكنهم في اللحظات الأخيرة ينقلبون عليها، وهو ما يعني أن العملية التفاوضية بالنسبة لهم، كما هي بالنسبة لأساتذتهم الإيرانيين، مجرد استهلاك للوقت يدبرون فيها حملة علاقات عامة للتغطية على ممارساتهم على الأرض.
وجاء مارتن جريفيث ليخرج الحل من إطاره العربي المصاحب للدور الأممي إلى طور آخر جديد يكون للمجتمع الدولي الكلمة الأولى فيه، بعد عجز ابن عمر وولد الشيخ عن تحقيق اختراق.
وعلى خطا سلفيه، حاول مارتن جريفيث تحقيق بعض النجاح، وظل يفاخر بإنجاز اتفاق استوكهولم الذي أوقف تقدم القوات المشتركة نحو مدينة الحديدة بعد أن وصلت تلك القوات إلى مسافة ثلاثة كيلومترات من الميناء، ليتضح فيما بعد أن الاتفاق صب بشكل أساس في صالح الحوثيين الذين بدؤوا في استرداد أنفاسهم، والتوجه لمناطق أخرى بعد ضمانهم تجميد جبهة الساحل الغربي، دون أن ينفذوا التزاماتهم في الاتفاق، وهي الالتزامات المتضمنة سحب المليشيات من المدينة والميناء وتسليمهما لقوى الأمن الداخلي وخفر السواحل، بالإضافة إلى الالتزامات الإنسانية، وقد ألبس الحوثيون عناصر ميليشياتهم الزي الرسمي مدعين أنهم انسحبوا ووفوا بالتزاماتهم في اتفاق استوكهولم.
كان الذهاب إلى استوكهولم نقطة تحول أساسية في المسارات السياسية والميدانية كما ظهر فيما بعد، لتعقبه مراحل من الصراع شديدة الضراوة في أكثر من منطقة كانت بعيدة عن الصراعات، ليتضح فيما بعد أن الهدف الرئيس من الاتفاق، وهو إحلال السلام في الحديدة لم يتحقق، بل على العكس انتقلت عدوى الصراعات إلى مناطق أخرى، وهو ما عليه الحال إلى يومنا هذا.
ورحل جريفيث تاركًا وراءه تركة متراكمة من الفشل، دون أن يشير إلى من أفشل مهمته، رغم أنه كان يشير بين الفينة والأخرى، وعلى خجل إلى مسؤولية الحوثيين ويذكر بمسؤولياتهم، غير أن أداءه اتسم غالبًا بإدانة تصرفات الحوثيين دون أن يسميهم، بل وكان يسعى إلى تلطيف حدة بيانات مجلس الأمن ضدهم، على اعتبار أن ذلك سيعقد عليه مهمته في التواصل مع قيادة الميليشيات.
واليوم لدينا مبعوث جديد هو هانس جروندبيرج، وهو إلى حد معقول ملم بتعقيدات المشهد كونه عمل سفيرًا للاتحاد الأوروبي لدى اليمن، ولديه خبرة طويلة في الشؤون الشرق أوسطية.
ومع تعيين المبعوث الرابع يراود معظم اليمنيين شعور بعدم الجدوى، لأن المشكل ليس في المبعوثين في حد ذاتهم، ولكنه في عدم وجود إرادة دولية حقيقية للحل القائم على أساس مرجعيات الحل، كما يرجع ذلك لعدم توفر الإرادة الداخلية لإنضاج الحل، نظراً لأن الحرب في اليمن أصبحت مصدر رزق لكثيرين لا يريدون انتهاءها.
وبالمجمل، لا شك بأن العالم بدأ يدرك أن الحوثيين يعطلون الحل نظرًا لاعتقادهم بأن الحل العسكري في متناول أيديهم، غير أن السؤال يظل: هل لدى المجتمع الدولي والإقليم والحكومة اليمنية وسيلة للضغط السياسي أو الاقتصادي أو العسكري على الحوثيين للقبول بالحلول؟ أم أن فترة المبعوث الجديد ستكون مجرد امتداد لفترة أسلافه المليئة بالمناشدات والمطالبات وبعض المداهنة؟!
في السبت 14 أغسطس-آب 2021 08:02:40 م